نورث بالس
قال الرئيس المشترك للمؤتمر المجتمع الإسلامي الديمقراطي ملا محمد غرزي، أن أفعال الدولة التركية في سوريا هي محرمة بموجب نصوص شرعية في الإسلام، وهي ترتكب كل تلك المحرمات نكاية في الكرد ولمنع حصولهم على حقوقهم، وأكد أن الإسلام بات بحاجة إلى روح حوارية وأن يقبل الرأي الآخر، وتبني “وثيقة المدينة” التي وضعها الرسول، والتي بموجبها أنشأ ما يشبه 30 فدرالية في المدينة المنورة.
حديث ملا محمد غرزي، جاء خلال مشاركته في برنامج (مع صناع القرار) الذي يعرض على شاشة قناة روجآفا، وجاء نص حديثه كما يلي:
“بعد تحول الأزمة السورية لاقتتال طائفي بادرنا كعلماء مسلمين لإنقاذ مجتمعنا منها”
استهل ملا محمد غرزي حديثه عن دورهم كعلماء دين في تجنيب مجتمعهم للصراع الطائفي الذي عصف بسوريا، والخطوات التي خطوها في هذا الإطار، وقال: “بعد الأحداث والأزمة السورية وتحولها إلى اقتتال طائفي ومذهبي رأينا أنه من واجب العلماء أن يكون لهم دور للوقف بوجه هذه الفتنة التي ستأتي على الأخضر واليابس، وسوف يؤخذ الناس على هوياتهم الطائفة والمذهبية، وحينها اقترحتا على الإدارة الذاتية تشكيل اتحاد أو رابطة أو تحت أي مسمى كان، يشرف عليها علماء الدين، والقصد منها توعية الناس، والتأكيد أن الإنسان أخو الإنسان، أما الأمور الدينية والعقائدية فهذه بينه وبين ربه”.
بدأنا باتحاد علماء المسلمين وتوسعت لنعلن عن “مؤتمر المجتمع الإسلامي الديمقراطي”
ونوه غرزي أنه وبعد طرحهم لتلك الفكرة، باركت الإدارة الذاتية هذا الأمر وقالت بأنه يخدم الصالح العام، وعليه تم تشكيل “اتحاد علماء المسلمين” عام 2015 وقال غرزي: ” وعليه بدأنا بإنشاء مؤسساتنا في عموم مناطق إقليم الجزيرة حينها، وعملت مؤسساتنا على إزالة الحساسيات المذهبية والطائفية من مجتمعنا وأبعدت فكرة أن يقتل الإنسان أخاه الإنسان من أجل دينه ومذهبه”.
وأشار غرزي أنه وبعد تحرير كامل مناطق شمال شرق سوريا، بدأوا بتوسيع نشاطهم وعليه وفي عام 2019 عقدوا المؤتمر الأول للمؤتمر المجتمع الإسلامي الديمقراطي، والذي يشمل هذه المرة عموم شمال وشرق سوريا لتجنيبها شبح الصراع الطائفي والمذهبي.
مصطلح “الإسلام الديمقراطي” نقصد به رؤيتنا للعلاقة بين الناس في الإسلام ولا يخص العقائد والعبادات
وعن شرحه لسبب اختيارهم لمصطلح “الإسلام الديمقراطية” والقصد منها قال غرزي: “المصطلح الذي اعتمدناه هو دلالة على رؤيتنا حول علاقات الناس ببعضهم، فالمؤتمر تأسس بهدف إزالة الأحقاد بين المذاهب وحتى الأديان، ولنا في هذا الإطار نشاط آخر وهو (ملتقي الأديان) فالرؤية التي تقبل الآخر بخلاف دينه ومذهبه، فالمصطلح المناسب له هي “الديمقراطية” وهنا لا نقصد بها جميع إيحاءاتها التي وضعت لها في اليونان في بداياتها، فالمصطلحات أيضا تتغير معانيها مع الزمن، فنحن نأخذ منها جانب حرية الإنسان فيما يعتقد من الديمقراطية، أي للإنسان الحرية فيما يعتقد بشرط ألا يؤذي الآخرين”.
وأكد غرزي أنه أما الثوابت الدينية الأخرى كالعبادات والعقائد فهذه لا يدخلها لا مواضيع الديمقراطية ولا غيرها من المصطلحات، وقال: “فالعبادات توقيفية، ومعناها أننا نلتزم بما أمرنا به الله عن طريق الوحي والرسول، فهذين الأمرين العقائد والعبادات لا يدخلها التصنيفات، فنحن نقصد بالديمقراطي جانب التعامل مع الآخر في الإسلام، وننظر إليها من زاوية التعامل مع الإنسان، وهذه كانت موجودة في الإسلام ولو أنها لم تكن موجودة بمصطلح الديمقراطية، ولكن عمليا كان هناك ديمقراطية في التعامل والإسلام لا يعادي الديمقراطية قطعاً”.
“وثيقة المدينة التي وضعها الرسول هي التعبير الأمثل للإسلام الديمقراطي”
وأكد ملا محمد غرزي أنهم تبنوا في المؤتمر “وثيقة المدينة” التي وضعها الرسول محمد كأساس في أسلوب التعامل مع الغير وشكل العلاقات مع باقي الأديان والإثنيات والطوائف، وأكد أن هذه الوثيقة هي التعبير الأمثل للإسلام الديمقراطي، وقال: “هذا ما فعله الرسول صلى الله عله وسلم في المدينة المنورة، عندما جمع أهل المدينة وقال: (أهل يثرب أمة على من سواهم المؤمنين والمشركين واليهود)، فهم كانوا ديانات ومذاهب مختلفة في نفس المدينة، ولكن الرسول قال هؤلاء أمة على من سواهم أي على من عاداهم.
موضحاً أن الجوانب الإيجابية في وثيقة المدينة، هو أن الرسول حينما دخل المدينة المنورة، وكان أهل المدينة من اليهود والمشركين خافوا من أن يعتمد الرسول على قوته المتزايد ويذهب عليهم حقوقهم ويفرض عليهم الإسلام، ولكن الرسول جمع كافة أهالي المدينة، المسلمين والمسيحيين والمشركين واليهود وغيرهم، وكتب وثيقة فيما بينهم وقال فيها :”بنو فلان على ربعتهم وبنو فلان على ربعتهم” أي أن كل جماعة دينة أو مذهبية أو عرقية أو عشائرية تبقى على ماهي عليه وتعتمد على مذاهبها ودينها وقواعدها في إدارة أمورها الحياتية والدينية دون إكراه.
“الرسول بنى أكثر من 30 فدرالية في مدينة واحدة”
وأضاف غرزي: “أي يمكن القول أن الرسول بهذه المدينة الواحدة بنى أكثر من 30 فيدرالية، فالربعة هي بمثابة البرلمان في وقتنا الراهن، أي أن كل ربعة لهم شيوخ ووجهاء وعلماء يجتمعون ويصدرون القرارات فيما يخصهم، لذا منحهم الرسول كلهم حق اتخاذ قراراتهم وتسيير أمروهم، وحتى أنه حين وصل لليهود، قال: “ويهود بني عفو على ربعتهم، فللمسلمين دينهم ولليهود دينهم”، فالمعنى من بني فلان على ربعتهم أي يبقون على دينهم، ولكن الرابط المشترك بين كل أطياف المدينة هو الأمن المشترك أي أن يتشارك الجميع في حماية مدينتهم معاً، فهذه هي عين الديمقراطية”.
“المنتقدون للديمقراطية ومن يعتبرونها كفر هو تعبير عن إنغلاقهم الفكري”
وتعليقاً على من انتقدوا استخدام مصطلح “الاسلام الديمقراطي” وبعض الأطراف التي تعتبر “الديمقراطية” كفر قال غرزي: “من يتحدثون عن أن الديمقراطية كفر والليبرالية كفر والعلمانية كفر، عليهم أن يدركوا أولاً أنه هذه أمور حياتية لا يدخلها لا الكفر ولا الإيمان، فهي عبارة عن أسلوب حياة، ومن يكفرها فهي تعبير عن انغلاقهم الفكري”.
وأضاف: “وهذا الانغلاق الفكري هو من جعل الإسلام ينقسم اليوم على نفسه وتظهر الكثير من التنظيمات السلفية التي كل منها لا تقبل الآخر، وانتقل الصراع إلى داخل الإسلام وتحولت إلى ساحة دائمة للصراع والاحتدام، وهذا مخالف لروح الإسلام، إذ لا يمكن بالإكراه أن نجعل الآخر يقتنع بما نقول، فالقرآن يبين الأمر بوضوح ويقول (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) فإذا بنينا حياتنا وعلاقاتنا الثقافية والعملية والعليمة على هذه النظرية، قطعا لن يدخل العنف في علاقاتنا مع الآخر، ولكن عندما انتفت هذه الروح من الحوار والرؤية إلى الآخر نرى أنه حتى في المرجعية الواحدة قد ترى من السلفيين عدة اتجاهات ويحاربون بعضهم، وكذلك الإخوان تراهم منقسمين إلى أقسام ويحاربون بعضهم”.
وأكد غرزي أنه وعليه “فالمسلمون يحتاجون بداية إلى روح حوارية وأن يقبل الرأي الآخر، ولا نقول أن يؤمن به، بل أن يرى أن للآخر الحق في إبداء رأيه فيما يؤمن به”.
“هناك بوادر لعودة الوعي ولكن لازال التيار المتشدد هو المسيطر”
ونوه غرزي أنه بدأ يظهر بوادر في العالم الإسلامي لتقبل هذا الفكر والروح الديمقراطية للإسلام، وقال: “فمثلا شيخ الأزهر بدأ يتحدث عن الإسلام الديمقراطي، وحزب النهضة التونسي وهو حزب إخواني، وقالوا بأنهم يتبنون الديمقراطية ولا فرق بين الإسلام والديمقراطية، فهناك عودة للوعي ولكن لايزال التيار السلفي والمتشدد هو المسيطر”.
“أفعال تركيا في سوريا هي محرمة بنصوص شرعية”
وعن تصرفات وأفعال الدولة التركية التي تدعي أنها دولة إسلامية فيما ترتكبه من انتهاكات في سوريا، وآخرها قطع مياه نهر الفرات عن المسلمين، وعن حكمها الشرعي، أكد ملا محمد غرزي أن كل ماتفعله تركيا في سوريا هي من الأمور المحرمة بنصوص شرعية، كقتل الناس وتهجيرهم وقطع الأشجار والمياه، وقال غرزي: “حيث يقول الحديث الشريف “لعن الله من غير تخوم الأرض” وتركيا اليوم تغير التخوم وتغير الديمغرافية، ويقول الحديث أيضاً “لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه” وفي حديث آخر يقول الرسول: “والله لايؤمن، والله لايؤمن والله لايؤمن… قالوا من يارسول الله؟، قال من لا يأمن جاره بوائقه”. واليوم نحن لا نأمن شر جارتنا تركيا وشر العصابات التابعة لها، ولا نأمن شرهم ليلاً نهاراً”.
وعن حكم قطع المياه استشهد غرزي بحديث للرسول يقول: “الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار”.
وأضاف غرزي: “فهذه الأمور من الثوابت الشرعية، وتركيا تحاول اليوم التحايل على هذه الثوابت وتستند على فتاوى من علمائها الذين يمكن تسميتهم اليوم بعلماء السلطان، وحتى المجلس الإسلامي السوري الجالس في تركيا جاهز لإصدار فتاوى بما تمليه السياسة التركية عليه”.
وأكد غرزي في ختام حديثه أن “هذه كلها لاتبني العدل وحسن الجوار، ونداؤنا لهؤلاء العلماء والمصلحين نصح الدولة التركية، فالدين نصيحة، فقطع مياه الفرات ليس من حق تركيا، لأنها مياه دولية وأيضا هناك اتفاقات دولية لمنع قطع المياه، فتركيا تتحرك نكاية وعداءا بالقضية الكردية حتى وإن دخلت في المحرمات”.
إعداد: لزكين إبراهيم
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.