عودة عربية لسوريا.. سيناريو يفزع تركيا
بدأت منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولا تعيد من خلاله دول عربية حليفة لواشنطن العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية، في خطوة لافتة تأتي لاعتبارات سياسية في عواصم عربية مثل القاهرة وعمّان وأبوظبي. ومن هذه الاعتبارات علاقاتها مع روسيا أقوى الدول الداعمة للأسد والتي تعمل على إعادة دمج سوريا وكذلك كيفية التصدي للنفوذ الذي تحقق لكل من إيران وتركيا في سوريا.
فتركيا ودعمها لفصيل من الإسلاميين السنّة في أنحاء المنطقة، بما في ذلك شريط في شمال سوريا لا يزال خارج سيطرة الأسد، تمثل مصدر قلق خاص للحكام العرب الذين يجمعهم مع دمشق موقف واحد من الجماعات الإسلامية.
وثمة توجه عربي لإحياء العلاقات مع دمشق رغم أن دولا مثل السعودية لاتزال مترددة وكذلك قطر حليفة تركيا التي سبق أن أعلنت رفضها إعادة تطبيع العلاقات مع الرئيس السوري الذي اتهمته بارتكاب جرائم بحق شعبيه.
لكن الاتجاه العام أو ما يلوح من بوادر في الأفق يوحي بأن دولا عربيا ستحذو حذو الأردن والإمارات في إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دمشق.
وفي حال تحقق ذلك فإنه سيشكل ضغطا متزايدا على تركيا التي تحتل أجزاء واسعة من شمال سوريا وقد سبق لجامعة الدول العربية أن أكدت على ضرورة وحدة الأراضي السورية ونددت بالاحتلال التركي.
وتركيا التي دفعت بوحدات من قواتها وتحشد للمزيد بذريعة حماية أمنها القومي ومكافحة الإرهاب تستشعر بالفعل تنامي عزلتها الإقليمية مع بروز متغيرات جيوسياسية أولها الانفتاح العربي على سوريا وخاصة من دول حليفة للولايات المتحدة بينما يبدو موقف واشنطن في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن حيال النظام السوري أو الشأن السوري عموما أقل اهتماما فيما ينصب معظم الاهتمام الأميركي على الصين.
لكن في الوقت الذي بدأت تتنامى فيه العلامات على تقارب عربي مع دمشق -إذ أجرى الملك عبد الله عاهل الأردن اتصالا بالأسد هذا الشهر للمرة الأولى منذ عشر سنوات- ستظل السياسة الأميركية عاملا مربكا.
ويقول محللون إن سوريا لا تمثل أولوية في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن. ويشيرون في هذا الصدد إلى تركيزه على التصدي للصين كما أن إدارته لم تطبق حتى الآن عقوبات بمقتضى ما يسمى قانون قيصر الذي بدأ سريانه العام الماضي بهدف زيادة الضغوط على الأسد.
وقال ديفيد ليش الخبير في الشأن السوري بجامعة ترينيتي بولاية تكساس الأميركية “حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي يشجعون واشنطن على رفع الحصار عن دمشق والسماح بعودة اندماجها في المحيط العربي. ويبدو أن إدارة بايدن تستمع لذلك إلى حد ما”.
ويمثل ذلك تحولا عن السنوات الأولى للصراع التي عُلقت فيها عضوية سوريا في الجامعة العربية وساندت دول من بينها السعودية والأردن والإمارات بعض الفصائل التي كانت تحارب الأسد.
كل هذه المتغيرات تصنع واقعا جديدا أو ترسم ملامح خارطة سياسية مغايرة تماما لما كان عليه الوضع قبل سنوات قليلة، فتركيا التي تكابد للخروج من أزمات متناثرة سياسية واقتصادية وعلاقات متأزمة مع عدة شركاء، لن تقوى على أرجح التقديرات على مجاراة ضغوط عربية ودولية للبقاء أطول في سوريا.
وترددت في الأسابيع الماضية فرضيات تشير إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي فتح أكثر من جبهة مواجهة خارجية بتدخله عسكريا في كل من سوريا والعراق وليبيا وفي الحرب الأذرية الأرمينية، قد يعيد مراجعة حساباته بينما يستعد لخوض انتخابات حاسمة ستقرر مصيره السياسي ومصير حزبه وهو أشد عزلة مما مضى داخليا وإقليميا ودوليا.
وعلى أرجح التقديرات فإن هذا السيناريو قد يبدو واردا لكن ضمن دفع روسي للحليف التركي لمراجعة تدخله في سوريا.
الأمر قد يبدو مستبعدا في المرحلة الراهنة لكن قد تدفع المتغيرات السياسية المحتملة ومنها عودة سوريا للحضن العربي وتصاعد الضغوط الأميركية على تركيا والدفع الروسي البراغماتي، أنقرة إلى مراجعة شاملة عبر تفاهمات مع روسيا لتدخلها في سوريا.
والمشهد بتجلياته الراهنة يحيل إلى معادلة جديدة هي أنه في الوقت الذي بدأت فيه تخف عزلة الرئيس السوري بشار الأسد الذي حشد نظيره التركي لعزله من خلال تدخل عسكري يعتبر في القانون الدولي انتهاكا صارخا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، تتعاظم فيها عزلة أردوغان سواء إقليميا ودوليا أو محليا.
أما إقليميا ودوليا فقد وجدت تركيا نفسها عالقة في أكثر من مواجهة دفعت اقتصادها إلى حالة من الركود وأضرت بمختلف قطاعاتها الحيوية وهو ما يؤثر على حظوظ حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة.
أما محليا فقد بدأت ترتسم ملامح خارطة سياسية جديدة مع إطلاق ستة أحزاب معارضة بينها الحزب المعارض الرئيس في تركيا، حزب الشعب الجمهوري، مساع هي أقرب لتشكيل جبهة قوية هدفها الأساس عزل أردوغان خلال الانتخابات القادمة والمقررة في 2023.
وفيما يبدو وضع الرئيس التركي صعبا على مختلف المستويات، يبدو وضع نظيره السوري الذي أعيد انتخابه في مايو/ايار الماضي أفضل بكثير بعد أن صمد لنحو 10 سنوات في مواجهة تكتلات غربية وعربية وفي دفع تركي لعزله.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.