الهوية والإنسانية تباد في عفرين ؟!.
لا يكاد يمر يوماً إلا ونسمع فيه عن الانتهاكات التي يتعرض لها سكان عفرين الأصلاء، على يد جيش الاحتلال التركي، ومرتزقته من السوريين المتطرفين الذين باعوا أنفسهم وعاثوا فساداً منذ احتلال عفرين في آذار ٢٠١٨ م، وعبر ممارسات تتعارض وأبسط المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية، وفي ظل صمت دولي مريب.
عمليات التغيير الديمغرافي، والتطهير العرقي والثقافي؛ يمارس وفق منهجية مدروسة ومحكمة لإعادة هندسة وترتيب ديموغرافية المنطقة وفقاً لأهواء وغايات بعيدة كل البعد عن جذورها التاريخية، وهويتها الحضارية الضاربة جذورها في عمق التاريخ الإنساني، وفي إطار عملية لتغريب عفرين عن جوهرها وتغييبها عن حاضرها وماضيها؛ والتأسيس فيها لبؤرة إرهابية تكون قنابل موقوتة تهدد الأمن والسلم الدوليين؛ طالما بقيت الحالة على ماهي عليه حيث تفريخ الفكر الإرهابي المتطرف وثقافة الكراهية.
لقد عملت دولة الاحتلال التركي – وبشكل ممهنج – على تحويل عفرين إلى حاضنة لجمع كافة الفصائل الإسلاموية المتطرفة الإرهابية، بالإضافة إلى تحويل عفرين لملجئ وحاضنة لجميع عناصر وقيادات تنظيم داعش الإرهابي الفارين من المناطق التي تم تطهيرها من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على يد قوات سوريا الديمقراطية وبدعم ومساندة التحالف الدولي.
انتصارات ونجاحات على صعيد مكافحة الإرهاب والتطرف؛ حققتها قوات سوريا الديمقراطية يشهد لها الإنسانية جمعاء، وتهيب في هذا الدور غالبية الدول الديمقراطية في العالم؛ لما لها من فضل في حماية وحفظ أمن العالم من التطرف والإرهاب، في الوقت الذي تسير دولة الاحتلال التركي في عكس الاتجاه حين تصف هذه القوات بالإرهابية.
فهذه القوات التي حمت وتحمي البشرية من الإرهاب والتطرف؛ بينما تعمل تركيا على وصفها تهديداً على أمنها بحسب زعمها، بينما طيلة فترة وجود دولة الخلافة المزعومة على حدودها الجنوبية؛ لم تكن يوماً من الأيام تهديداً أو مصدر قلق بالنسبة لها، بل على العكس تماماً من ذلك، فمع انحسار التواجد الجغرافي لتنظيم داعش الإرهابي زادت دولة الاحتلال التركي من وتيرة تهديداتها وهجماتها على مناطق شمال وشرق سوريا ومازالت تحت حجج وذرائع واهية.
ما تقوم به دولة الاحتلال التركي لا يمكن وصفه سوى، بعمليات انتقامية من قوات سوريا الديمقراطية، ومكونات شمال وشرق سوريا، بسبب دورهم ومساهمتهم في دحر تنظيم داعش ميدانياً وجغرافياً؛ وحماية الأمن والسلم الدوليين، ومنع المشروع الإردوغاني العثماني الاحتلالي التوسعي من الاستكمال عبر القضاء على دولة الخلافة المزعومة ؛ كأحد أدواتها لتحقيق ذلك الحلم الأردوغاني -العثماني.
لذا؛ ولتحقيق ذلك الحلم الذي لا يمت بصلة إلى تاريخ وحضارة وثقافة المنطقة، كان لابد من هدم قيمها الثقافية والحضارية والإنسانية؛ وإبادة شعوبها عرقياً وثقافياً وجسدياً.
وانطلاقاً من تلك الذهنية الغازية الاستعمارية منذ الأيام الأولى لاحتلال مدينة عفرين السورية؛ قامت فصائل الارتزاق بتدمير تمثال كاوا الحداد؛ معتبرين ذلك انتصاراً لهم عبر نشرهم لفيديوهات توثق جريمتهم بحق الحضارة والبشرية؛ و متباهين بذلك النصر المظفر، وكاشفين عداوتهم للقيم الحضارية والإنسانية، فاستهدافها لتثمال كاوا الحداد لم يكن اعتباطياً بل على العكس تماماً، كان هدفاً يريدون من راءه القضاء على روح المقاومة والتمرد على القهر والظلم ؛ وإطفاء شعلة الحرية. فحتى الرمزية التي تحملها شخصية كاوا الحداد في قلب وعقل كل وطني ثائر سعت تركيا ومرتزقتها وبكل قوة بالقضاء عليه. وتشكيل مجتمع نمطي خنوع مطيع مستعبد. من خلال سلسلة من الممارسات من هذا القبيل يطول ذكرها، ومنها مؤخراً هدم دوار يجسد شعلة نوروز.
فنيروز والذي يرمز إلى اليوم الجديد للحرية والتحرر من نير العبودية والظلم. ذلك العيد القومي الذي يحتفل به الشعب الكري والعديد من شعوب المنطقة كل عام في 21 أذار. حيث يجددون فيه عهدهم برفض الظلم والاستعباد، والمضي قدماً في مقاومة ومناهضة الظلم والاستعباد، كما أنه يمثل رأس السنة الكردية.
والجدير بالذكر بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة رحبت بإدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في 30 أيلول/سبتمبر 2009 عيد نوروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية؛ بموجب قرارها 64/253.
فما تقوم به دولة الاحتلال التركي في مدينة عفرين من ممارسات وانتهاكات، وما سيخلف من تداعيات وكوارث مستقبلية ليس على مدينة عفرين لوحدها، و إنما على المنطقة والعالم بأسره متى ما توفرت لها الظروف. فما تقوم به في مدينة عفرين ستمارسها في أي بقة تطال يدها فيها. فالذهنية الطورانية التي مازالت تعلن معاداتها للحضارة والإنسانية والقيم لن يثنيها أي رادع من المضي قدماً في سياساتها واستراتيجيتها المبنية على إبادة الشعوب وسرقة حضارتهم وقيمهم الإنسانية. والأزمة السورية شاهدة على ذلك، حيث شهدت سوريا تدميراَ للمجتمع والتاريخ من خلال تخريب التلال الأثرية؛ وسرقة آثارها وتاريخها؛ كممارسات تشكل جزءاً من تاريخ تركيا الغازي والناهب؛ حيث نهب أجدادهم من السلاطين العثمانيين جميع آثار وقيم البلدان التي احتلوها، ومتاحف اسطنبول وغيرها من المتاحف التركية شاهدة على تلك الجرائم التي ارتكبوها بحق الإنسانية والحضارة.
ولإنقاذ ما تبقى من القيم الحضارة والإنسانية، وإيقاف الإبادة بمختلف أشكالها بحق سكان عفرين الأصلاء، وتوفير عودة آمنة لسكانها النازحين والمهجرين قسراً إلى موطنهم الأصلي، يتطلب من المجتمع الدولي القيام بمسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والقانونية؛ والعمل على إنهاء الاحتلال التركي، وتقديم الإرهابيين للعدالة. وإلا فإن الإرهاب سيستمر وستتعقد الأزمة السورية أكثر مما هي عليه؛ وستتكاثر البؤر الإرهابية لتفريخ الإرهاب، ويستمر معها غزوها المستمر للعالم وبث الفوضى وعدم الاستقرار.
المصدر: الحوار المتمدن
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.