الأمن العسكري… العدو الأول لأهالي درعا والسويداء
نورث بالس
“لعل أكثر جهاز عسكري، أو أمني، يتردد ذكره في الجنوب السوري، هو الأمن العسكري، الذي ارتبطت به مجمل انتهاكات النظام السوري في الجنوب، من اغتيالات وفتن وعمليات خطف وتجارة المخدرات، حتى بات العدو الأول للأهالي في محافظتي درعا والسويداء.
ورغم اختلاف سياسته إزاء المحافظتين، حيث تقوم على استخدام القوة والقهر في درعا، مقابل الاسترضاء والحيلة في السويداء، إلا أن النظام اعتمد في كلتا الحالتين على جهاز الأمن العسكري بالدرجة الأولى.
ويضاف إلى هذا الجهاز، حضور ملموس لتشكيلات أمنية وعسكرية أخرى متنافسة، مثل “أمن الدولة” و”المخابرات الجوية” و”الأمن السياسي”، إضافة إلى التشكيلات العسكرية التابعة لجيش النظام. وكان ينتشر في محافظة درعا، قبل العام 2011، نحو ثلث الفرق العسكرية التابعة لجيش النظام، مثل الفرقة الخامسة ومقرها مدينة أزرع في ريف درعا الشرقي، والفرقة التاسعة ومقرها مدينة الصنمين في ريف درعا الشمالي، بينما قلصت “الفرقة الرابعة”، التي لا تتبع لوزارة دفاع النظام، من وجودها كثيراً في درعا العام الماضي.
فتش عن الأمن العسكري
ومنذ أن استعادت قوات النظام السيطرة على محافظة درعا في العام 2018، تتصاعد فيها حالة الفلتان الأمني وفق منهجية مدروسة كما يقول ناشطون. وتسجل عملية اغتيال أو محاولة اغتيال واحدة على الأقل كل يوم، تطاول في غالبية الأحيان معارضين للنظام ومشروع التمدد الإيراني في الجنوب السوري. وعلى سبيل المثال أحصى مكتب توثيق الانتهاكات في “تجمع أحرار حوران”، أخيراً، 33 عملية ومحاولة اغتيال، في أغسطس/ آب الماضي، أسفرت عن مقتل 21 شخصاً، وإصابة 15، فيما نجا 9 من محاولات الاغتيال. ويتهم الأهالي ونشطاء المحافظة المليشيات الإيرانية والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، خصوصاً الأمن العسكري، بالوقوف خلف معظم هذه العمليات، من خلال تجنيد عناصر محليين لتنفيذها.
وقال الناطق باسم “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو محمود، لـ”العربي الجديد”، إن أجهزة النظام الأمنية، وعلى رأسها الأمن العسكري بقيادة العميد لؤي العلي “تنتهج سياسة انتقامية إزاء محافظة درعا باعتبارها كانت مهد الثورة ضد النظام، وما زالت تقاوم حتى الآن محاولاته المتكررة لإخضاعها بالكامل لسلطته”. وأضاف: “لذلك نرى أن كل من حمل بندقية ضد النظام في يوم من الأيام، وخاصة من كان له دور قيادي، موجود على قوائم الاغتيال، بغض النظر عما إذا أجرى أو لم يجر عملية تسوية مع النظام”.
الأجهزة الأمنية تعمل على تفتيت المجتمع
والركيزة الأخرى لسياسة هذه الأجهزة، برأي أبو محمود هي “العمل على تفتيت المجتمع المحلي، عبر شراء الولاءات، وتجنيد البعض ضد البعض الآخر، وبث الفتن، إضافة إلى تحطيم قيم المجتمع وإشغاله بآفة المخدرات التي تنشرها أجهزة النظام والمليشيات الإيرانية في الجنوب السوري بشكل ممنهج لأهداف سياسية ومادية”. وأضاف أبو محمود أن العميد لؤي العلي، الذي قضى معظم خدمته العسكرية في محافظة درعا منذ كان ضابطاً صغيراً، بات اليوم المتحكم الرئيسي في كل ما يجري فيها على الصعيد الأمني، ويقوم عناصره، فضلاً عن عناصر الفروع الأخرى، بعمليات ابتزاز للأهالي عبر الحواجز والاعتقالات والمضايقات الأمنية لتحصيل مبالغ مالية منهم.
وأشار إلى أنه في كثير من الأحيان، يكون الابتزاز المالي، هو الهدف الحقيقي وراء محاصرة بعض المدن، أو التهديد باقتحامها، كما يحصل الآن في جاسم بريف درعا الشمالي، عبر الزعم بوجود عناصر من تنظيم “داعش” متوارين في المدينة.
من هو لؤي العلي؟
كان لؤي العلي رئيساً لقسم الأمن العسكري بدرعا عندما اندلعت الثورة السورية في مارس/آذار 2011. وكان هذا القسم يتبع لفرع الأمن العسكري في السويداء، الذي كان يترأسه آنذاك العميد وفيق ناصر. وينحدر العلي، وهو في الخمسينيات من عمره، من محافظة طرطوس. وعمل بداية في قسم الأمن العسكري بمدينة نوى شمال غرب درعا برتبة ملازم، وكان يتبع للفرع الرئيسي للمخابرات العسكرية في السويداء، ثم نقل إلى قسم الأمن العسكري في مدينة إزرع برتبة نقيب. وخدم بعد ذلك في قسم الأمن العسكري بالصنمين ومدينة درعا برتبة مقدم.
في العام 2011 جرى ترفيعه إلى رتبة عقيد، وتعيينه رئيساً لقسم الأمن العسكري في مدينة درعا. ثم جرى ترفيعه إلى رتبة عميد، وأسندت إليه رئاسة جهاز الأمن العسكري في درعا والسويداء، خلفاً للعميد وفيق ناصر في 22 يناير/كانون الثاني 2018، كونه خبيراً بخبايا المنطقة وبات ممسكاً بكل أبعادها الأمنية، حتى أطلق عليه لقب “الحاكم العسكري” لجنوب سورية. وارتبط باسم العلي الكثير من الانتهاكات والتجاوزات في المحافظتين، سواء تلك التي يرتكبها عناصره عبر الحواجز والمداهمات، أو المجندون المحليون لصالح الأمن العسكري، حيث عمد العلي إلى تشكيل خلايا ومجموعات مسلحة في المحافظتين، تقوم بعمليات اغتيال وخطف وابتزاز لصالح الأمن العسكري.
في محافظة درعا، عمل العلي على تشكيل مليشيات محلية يتزعمها قياديون سابقون في فصائل المعارضة، أبرزهم مصطفى المسالمة المعروف باسم “الكسم”، والقيادي السابق في “جيش اليرموك” عماد أبو زريق، والقيادي السابق في “جيش الثورة” وسيم الزرقان. وتعمل هذه المجموعات على اختطاف معارضين لنظام الأسد، ومن ثم تسليمهم إلى فرع الأمن العسكري بمدينة درعا، إضافة لقيامهم بعمليات اغتيال تطاول معارضين للنظام. ووفق موقع “مع العدالة”، الذي ينشط لتثبيت مبدأ المساءلة ومنع إفلات مجرمي الحرب من العقاب، فإن العلي معروف بتعصبه الطائفي ونزعته الإجرامية في التعامل مع أبناء محافظة درعا. ويشير إلى أن العلي اشترك مع العميد وفيق ناصر والعميد سهيل الحسن في قمع المتظاهرين الذين حاولوا فك الحصار عن مدينة درعا في 29 إبريل/نيسان 2011، ما أدى لمقتل 120 شخصاً، واعتقال مئات آخرين.
كما شارك في عمليات الدهم والاقتحامات وحصار درعا خلال الفترة من 25 إبريل إلى 5 مايو/أيار 2011، ومن ثم اجتياحها وجمع شبابها في الملعب البلدي، حيث جرت تصفية نحو ألفي شخص، وفق الموقع الحقوقي. ويضيف الموقع نقلاً عن شهادات من أهالي درعا قولهم إن العلي “أصدر أوامر بإطلاق النار مباشرة على المتظاهرين. وكان يبادر بإطلاق النار من سلاحه الشخصي أولاً من أجل تشجيع بقية عناصره على القيام بذلك”. ومن أشهر الحوادث، وفق مصادر المعارضة السورية، تصفية العلي للناشط السياسي معن العودات في 8 أغسطس/آب 2011 بعد إصابته برصاص الأمن الذي هاجم تشييع أحد القتلى تحت التعذيب في سجون النظام. والعلي مدرج على قائمة العقوبات الكندية والبريطانية والأوروبية، لدوره بسبب انتهاكاته بحق الشعب السوري.
أعمال تخريبية في السويداء
ويُعتبر الأمن العسكري الجهاز الأمني الأقوى في الجنوب السوري. ووفق شبكة “السويداء 24” المحلية، فإن هذا الجهاز هو من يدير عصابات الخطف والمخدرات والخارجين على القانون في محافظة السويداء المجاورة لدرعا، والتي يقتصر نفوذ النظام فيها على مبانٍ حكومية وقطع عسكرية بريفها. ويستهدف العلي إضعاف المحافظة وزعزعة استقرارها من أجل إعادتها لسلطة النظام.
وقال الناشط ليث أبي نادر إن “للأمن العسكري تاريخا أسود في السويداء، منذ تشكيل ما يسمى بالفصائل الرديفة ودورها في ترهيب الأهالي والوافدين، قبل تحولها لعصابات خطف وقتل ونشر الرعب والفساد الاجتماعي والأخلاقي وتهريب المخدرات والمحروقات والسيارات بمساندة من حزب الله، وصولاً إلى الاعتقالات والملاحقات التي طاولت عدداً من المعارضين، فضلاً عن الاغتيالات والتفجيرات التي روعت الأهالي، وأودت بحياة قادة حركة رجال الكرامة وعلى رأسهم الشيخ وحيد البلعوس”.
تراجع دور الأمن العسكري في السويداء
وأوضح أبي نادر، في حديث مع “العربي الجديد”، أن دور جهاز الأمن العسكري في السويداء تراجع كثيراً بعد الانتكاسة الكبيرة التي أصابته بسقوط الأذرع القوية له خلال الأشهر القليلة الماضية، وتراجع قدرته على العبث بالنسيج الاجتماعي والتحكم بالهيكل الأمني الذي بناه رئيس الفرع السابق وفيق ناصر. وأضاف أنه “بعد سقوط العصابات التي يديرها الأمن العسكري (راجي فلحوط وسليم حميد) وانكفاء باقي العصابات التابعة له مباشرة مثل عصابة ناصر السعدي، ومعتز ومهند مزهر، تراجعت أعمال العنف والخطف والسرقة في السويداء بشكل كبير وملحوظ، وبدأ فرع الأمن العسكري يبحث عن حلول وبدائل بعدما سقط بنيان السنوات العشر الماضية”.
وأوضح أن النظام اعتاد على “نقل الطرابيش كلما سقط أحدها، مثل تغيير رئيس فرع أو نقل ملف الجنوب الأمني من ضابط إلى آخر أو من إدارة إلى أُخرى. وعادة ما يرافق هذا الأمر تمهيد عن طريق الأذرع الأمنية ومشغليها من جهات خارجية (روسية وإيرانية وحزب الله). ولكن هذه المرة كانت المعادلة صعبة، بسبب الوعي الشعبي والانتفاضة الأخيرة لأهالي السويداء ضد هذه العصابات”.
وأضاف أبي نادر أن قرار السلطة نقل الملف الأمني إلى “إدارة أمن الدولة بدل الأمن العسكري جاء لعدة اعتبارات، أهمها عدم ظهور أمن الدولة بالسوء الذي رافق كل فترة قيادة الأمن العسكري لملف الجنوب، إضافة لعدم اتضاح تبعية عصابات الإجرام لها بشكل مباشر”.
وأشار إلى أن هذا الأمر يأتي وسط “إشاعة أن أمن الدولة يميل إلى روسيا أكثر من إيران، في ظل نظرة محلية للدور الروسي في مجمل أحداث السويداء على أنه للوساطة وتخفيف حدة النزاعات مع العشائر وفصائل محافظة درعا التابعة للروس، في حين يبدي أهالي السويداء عداءً واضحا للدور الإيراني وحزب الله”.
ورأى أبي نادر أن مهمة الإدارة الجديدة ستكون العمل على استمالة الفصائل المسلحة التي أظهرت قوتها في الأحداث الأخيرة، وهي “حركة رجال الكرامة”، و”لواء الجبل” بقيادة مرهج الجرماني. وأشار إلى أن كل الفروع الأمنية تعمل لهدف واحد، وإن اختلفت الأدوات، وهو إبعاد السويداء عن الحراك السوري، وتخريب نسيجها الاجتماعي المتماسك، وخلق عداء دائم مع المحيط، أي درعا وعشائر البدو، والتحكم بها من خلال العصابات المحلية واستنزافها مادياً ومعنوياً، وتهجير العدد الأكبر من شبانها، والسيطرة على المتبقي منهم من خلال نشر المخدرات، وبالتالي إبقاء قرارها السياسي بيد قادة الفروع الأمنية.”
المصدر: العربي الجديد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.