الإسلاموفوبيا والإرهاب… وحدة المصطلحات والنتائج
لا يوجد فرقٌ كبير بين ظاهرة حرق المِصحَف التي سمحت بها السلطات السويدية يوم 28 حزيران (يونيو) 2023، متزامنة مع أول أيام عيد الأضحى المبارك، وما بين مقتل المواطن الفرنسي، صامويل باتي، على يد لاجئ شيشاني في 16 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2020.
الحرق والقتل مرفوضان، فكما أنّ حرق المِصحَف يخرج من دائرة حرّية الرأي والتعبير، فإنّ مواجهة هذا السلوك بالقتل مرفوض أيضاً، ويدخل في دائرة العنف غير المبرّر. فمواجهة السلوك المتطرّف بسلوك آخر أكثر تطرّفاً مفهوم ولكنه غير متفهّم.
سمحت السلطات السويدية لسلوان موميكا، البالغ من العمر 37 عاماً بحرق المِصحَف وتمزيقه أمام المسجد الكبير في ستوكهولم، بينما أعطى لاجئ شيشاني لنفسه الحق في قطع عنق المدرّس الفرنسي صامويل باتي قبل ثلاث سنوات، بدعوى أنّه كان دائم السخرية من نبي الإسلام. صحيح قتل صامويل سبق حرق المِصحَف الشريف، ولكن هاتين الحادثتين تدلان إلى أنّ الإرهاب يُولّد إرهاباً مماثلاً.
وهذا هو الخطأ الذي وقعت فيه السلطات السويدية. وكانت الشرطة رفضت طلباً لحرق المِصحَف من قِبل لموميكا، ولكنها عادت وخضعت لحكم من قِبل إحدى المحاكم السويدية، التي اعتبرت أنّ حرق المِصحَف حقٌ يدخل في باب حرّية التعبير.
والحقيقة أنّ حرق المِصحَف يدخل في باب الكراهية البغيضة والمتكرّرة من قِبل السلطات السويدية، وأنّ مثل هذه السلوكيات، رغم أنّها تحمل في طياتها عنصرية وإقصاءً، إلاً أنّها تدفع لممارسة النوع نفسه من الكراهية والعنف ضدّ الآخر، وربما تُعطي فرصة للردّ على السلوك المتطرّف بآخر متطرّف، يصل إلى القتل والتصفية الجسدية لمن يمارس مثل هذه السلوكيات.
عُرفت السويد بالإساءة إلى الأديان، حيث اشتهر رسام الكاريكاتور السويدي لارش فيلكس، الذي اشتهر برسومه المسيئة للنبي الكريم، محمد (صلى الله عليه وسلّم)، ثم خضع بعدها لحماية الشرطة.
في الجهة المقابلة، عرض أبو بكر البغدادي، الملقّب بخليفة “داعش” وقتها، جائزة تُقدّر بـ 100 ألف دولار لمن يُهدر دم لارش، بينما رصد جائزة قدرها 50 ألف دولار لمن يأتي برأس رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت الرسوم المسيئة في ذلك الوقت. مع العلم أنّ لارش فيلكس تعرّض لحادث سير في 4 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2021 أودى بحياته، فلقي الرجل السبعيني مصرعه مع رجلي شرطة كانا برفقته، بعد اصطدام سيارتهما بشاحنة، بعدها اشتعلت النار بالمركبتين.
التطرّف والعنف والإرهاب لا دين لها، وربما ممارسة هذه السلوكيات تؤدي إلى زيادة وتيرة العنف داخل المجتمعات. فمن يظن أنّه يواجه التطرّف والإرهاب من خلال فعل احتجاجي كحرق المِصحَف، فهو مخطئ لأنّه اشترك في الجريمة ذاتها.
هناك خطأ وخلطٌ شديد يقع فيه البعض، وهو عدم التفريق بين سلوكيات بعض المتطرّفين من المسلمين، وبين الإسلام نفسه الذي يدعو إلى الرحمة والتسامح، وأنّ مثل هذه السلوكيات لا تُعبّر عن حقيقة هذا الدين، ولكنها تُؤثر سلباً على مشاعر قرابة مليار ونصف مليار مسلم، فضلًا عن أنّها تُعطي الذريعه لنمو الأفكار المتطرّفة، فيخرج علينا من يقتل بدعوى أنّ الدين يتعرّض لهجمة شرسة!
العنف دائماً يقابله عنف في الجهة المقابلة؛ والحل الوحيد لمواجهة أي عنف هو نشر قيم التسامح والإعتدال مع نبذ التطرّف وإدانة أي سلوك متطرّف من قِبل الجانبين؛ رفض أي سلوك متطرّف لا يعني التماهي مع هذا السلوك.
هناك مساحة بين الأديان، فلا بدّ من أن تكون مملوءة بالحوار والنقاش والدراسة، من دون اللجوء إلى أي سلوك يحضّ على الكراهية والعنصرية، أو اللجوء إلى أي وسيلة من شأنها إشعال الفتنة؛ العقائد هي ملك لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها، لأنّها ببساطة عقائد يُؤمن بها أصحابها ويُسلّمون بكل ما جاء فيها، إهانتها أو الإعتداء عليها يقترب من الإعتداء البدني في تأثيره.
وهنا لا بدّ من التنبّه إلى خطر التعرّض لعقائد الآخرين أو السخرية منها، ولا بدّ من أن نفرّق بين حرّية الرأي والتعبير والاعتقاد أيضاً، وما بين إهانة معتقدات البعض. فلا يعني احترام عقائد الآخرين الإيمان والتسليم بها، وإن كان هذا الإحترام دليلاً على التحضّر والرقي الإنساني، ودليلاً أيضاً على إيمان صاحبه بعقيدته، بخاصة وأنّ كل العقائد تفرض نوعاً من الحماية على عقائد الآخرين.
لا بدّ من التنبّه إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا التي انتشرت في المجتمعات الغربية؛ فكلما انتشرت هذه الظاهرة كلما زادت من وتيرة العنف والإرهاب والتطرّف في الجهة المقابلة، فضلًا عن كونها لا تُعبّر عن حقيقة المعرفة بالدين الإسلامي، بعيداً من سلوكيات بعض معتنقيه.
الإسلام بريء من سلوكيات بعض منتسبيه؛ ويمكن لغير المسلم أن يكتشف ذلك بسهولة شديدة، الأمر لا يحتاج مزيداً من العناء في البحث، ولكنه يحتاج إلى أن يكون صاحبه منصفاً وصاحب حس غير منحاز، يدفع للكراهية ومن ثم إلى ممارسة العنف اللفظي والجنائي في ما بعد.
صحيحٌ أنّ سلوان موميكا، صَدَم المسلمين في أول أيام عيد الأضحى بسلوكه المتطرّف، وصحيح أنّ سلوكه لم يتعدّ إلى جريمة القتل، ولكنه اقتصر على حرق وتمزيق المِصحَف، وهي جريمة لا تختلف عن جرائم أولئك الذين أوغلوا في الدماء، فقتلوا أو حرّضوا على القتل. وهذا ما فعلته الحكومة السويدية عبر سماح الشرطة والقضاء بحرق المِصحَف أمام أحد المساجد الكبيرة في العاصمة السويدية.
سلوك عنصري بامتياز يدفع إلى عنصرية مقابلة، لا نُقرّها ولا نوافق عليها، ولكنها حتماً سوف تحدث رداً على حرق المِصحَف، الذي بغضه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وشعروا معه بالإهانه والسخرية وعدم القدرة على الوقوف أمام هذا السلوك المتطرّف المهين.
سوف تنقل لنا نشرات الأخبار بعد وقت أخباراً غير سارة عن أحداث مأسوية سيعتبرها أصحابها، أنّها رداً على حرق المِصحَف الشريف، وهنا سوف تبقى دائرة العنف والتطرّف مفتوحة، يُغذّيها المتطرّفون من كل جانب، بدعم من حكوماتهم، بعد أن خلطوا بين حرّية الرأي والتعبير وبين السخرية والإهانة والتجاوز في حق عقائد الآخرين.
لا بدّ من أن تتبنّى الأمم المتحدة في الميثاق الأساسي لها، معاقبة كل من يسعى إلى إهانة معتقدات الآخرين، إحتراماً لحرّية الرأي ونشراً للأمن والسلم الدوليين، اللذين قد يتعرّضان للخطر لمجرّد تكرار مثل هذه الاعتداءات. ولا بدّ من الدفاع عن الأمن الاجتماعي من خلال الدفاع عن عقائد الآخرين من دون إهانتها، ومعاقبة كل من يتجاوز الخطوط الحمراء في تحقيق الأمن الإنساني.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.