NORTH PULSE NETWORK NPN

تداعيات صعود اليمين المتطرف في أوربا

نورث بالس

 

تصالح الأوروبيون مع فكرة عدم وجود أي استقرار سياسي يلوح في الأفق للنزاع السوري الذي امتد لاثني عشر عاماً، إذ من خلال محادثات مع الدبلوماسيين، بوسع المرء أن يسمع موضوعاً يتكرر كثيراً على ألسنتهم خلال هذه الأيام، وهو أن سوريا لم تعد أولوية.

 

فالأوروبيون يبدون تردداً في تسلم زمام القيادة بالنسبة لهذا الملف، إلى جانب انشغالهم بالغزو الروسي لأوكرانيا ومؤخراً حرب حماس والإسرائيليين ويعاب عليهم ذلك، لأنهم يرغبون بإبقاء أمور الملف السوري هادئة قدر الإمكان.

 

ولكن ما يعترض هذا الأسلوب القديم لمقاربة: “دعونا ننتظر حتى نرى” هو مشكلة اللاجئين، إذ لا توجد فقط أعداد هائلة من اللاجئين لا تفكر بالعودة إلى سوريا، بل إن الآلاف منهم ما يزالون يتوجهون نحو الاتحاد الأوروبي كل عام.

 

وأمام هذه الحقيقة، يلوح الأوروبيون لبشار الأسد بأن تقديمه لتنازلات بشأن مشكلة اللاجئين يمكن أن تدفعهم لإعادة النظر بسياستهم التي تقضي بعزل ديكتاتور سوريا ونظامه.

 

اللافت في الأمر هو أن النقاش حول عودة اللاجئين كان يدور في معظم الأحيان حول عودتهم إلى سوريا التي يحكمها بشار الأسد حصرياً، إذ يتخيل معظم من يعبرون عن آرائهم وأفكارهم تلك على المستوى الرسمي، ومن بينهم المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، بأن الأسد سيقدم تنازلات تتمثل بعودة اللاجئين مقابل قيام الدول العربية الأخرى بتطبيع العلاقات معه، فضلاً عن الإغراءات السياسية والمالية الغربية التي تنتظره.

 

إلا أن طرح مسألة عودة اللاجئين على طاولة المفاوضات مع الأسد يعد قضية مهمة من زاوية نفعية دبلوماسية، كما أنها أصبحت براقة هذه الأيام، إذ في حال تحققت عودة طوعية وكريمة للاجئين، فإن ذلك سيسعد الجمهور المحلي في أوروبا وفي وزارات خارجية الدول الأوروبية كما يمكن لمؤسسات الاتحاد الأوروبي أن تروج لذلك على أنه مؤشر على تحقيق تقدم سياسي. إلا أن النهج الأوروبي الحالي القائم على تسهيل عودة اللاجئين واحتواء القادمين الجدد يقوم على التفكير الرغائبي.

من جهة أخرى هناك التخويف من صعود اليمين المتطرف في اوروبا كما في السويد وايطاليا واخيرا هولندا الذين سيقومون بترحيل اللاجئين الى دول افريقيه أو اعادتهم إلى سوريا حيث أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية في هولندا حدثاً استثنائياً؛ بعد فوز حزب الحرية اليميني المتطرف الذي يقوده خيرت فيلدرز، وخلقَت النتائج نقاشاً في أوساط المجتمع الهولندي، إذ إن الحزب لديه مواقف متطرفة وعنصرية تجاه المهاجرين والمسلمين. وحصد حزب الحرية أغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وذلك بفوزهِ بـ37 مقعداً في المجلس التشريعي المؤلف من 150 مقعداً.

بدأت الأحزاب الهولندية مشاورات تشكيل الحكومة التي قد تشهدُ ترأُسَ حزب خيرت فيلدرز لها، إن استطاع إقناع أحزاب أخرى يمينية بالانضمام إليه.

ويرى مراقبون أنه على الحكومة الجديدة ألّا تنخرط في قضايا الهويّة، بقدر ما يجبُ عليها التحلي بالشجاعة لمواجهة المشاكل الحقيقية، التي لا تُحل إلّا بتقوية الاقتصاد وجعله أكثر انفتاحاً، والتعامل مع العالم العربي، من منظور (رابح-رابح) بدل توجيه كلّ اللوم إلى الإسلام والمسلمين”. حيث أن ذلك من صالح أمستردام، “فالعالم الإسلامي سوق حقيقية لهولندا يجب على اليمين عدم دفعنا إلى خسارتها بفعل سياساته الإقصائية، التي ستظهر سريعاً محدوديّتها في إيجاد الحلول المنتظرة من الهولنديين”.

أضحى صعودُ تيَّار اليمين المتطرف في أوروبا اتجاهًا عامًّا في السنوات الأخيرة، في ظلِّ ارتفاع التأييد للأحزاب اليمينية المتطرفة في عدد من البلدان الأوروبية، وما تتبنَّاه من أفكار شعبوية متشدِّدة.

 

وقد برز ذلك جليًّا في نتائج عدد من الانتخابات العامَّة التي جرت في بعض البلدان الأوروبية، مثل: إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، والمجر، وغيرها. ممَّا يعزِّز المخاوف من عواقب انتشار أفكار اليمين المتطرف في أوروبا كلِّها، وما يسبِّبه ذلك من مخاطرَ على المجتمعات الأوروبية الديمقراطية، وصعود النشاط الإرهابي اليميني الذي يستهدف الأجانب والمسلمين خصوصًا في أوروبا.

ويعتمد تيَّارُ اليمين المتطرف في أوروبا على نزعة متطرفة تجاه عدد من القضايا على رأسها العَداء للأجانب، فهو يتمسَّك تمسُّكًا حادًّا متطرفًا بالقِيَم الوطنية والهُوية السياسية والثقافية واللغوية، ويتَّسم بميل شديد إلى التطرف الديني. وفي الغالب يوصَف اليمينُ المتطرف بأنه حركةٌ أو عقيدة فكرية، فيما ينظرُ إليه آخَرون على أنه كتلةٌ سياسية تسعى إلى توحيد أنشطة حركات أو عقائدَ متطرفة.

ويشير مصطلحُ اليمين المتطرف إلى القوميين الأوروبيين من الجنس الأبيض، الذين يؤمنون بتفوُّق هذا الجنس على غيره من الأجناس، والتعصُّب القومي له، إضافةً إلى التعصُّب الديني ومعاداة المهاجرين الأجانب ولا سيَّما المسلمين. ويُطلَق أيضًا على الأحزاب المعارضة للهجرة؛ نظرًا إلى الموقف الموحَّد الذي تتبنَّاه الأحزاب اليمينية تجاه المهاجرين الذين تعدُّهم تهديدًا للهُوية العِرقية والوطنية للقوميات الأوروبية، وسببًا رئيسًا في ارتفاع معدَّلات البَطالة والجريمة في المجتمعات الأوروبية.

ويرى مراقبون أن جملةٌ من العوامل أسهمت في صعود اليمين المتطرف في أوروبا في السنوات الأخيرة، وأهمُّها العوامل الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها. وقد باتت الهجرةُ إحدى القضايا الرئيسة التي أثَّرت أثرًا بالغًا في صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا. وتتَّفقُ جميع قوى اليمين المتطرف على أن الهجرةَ هي السبب الأوَّل للمشكلات التي تواجهها المجتمعاتُ الأوروبية، وأن الهُوية الوطنية الأوروبية في خطر، ويجب حمايتها من الغزو الأجنبي المتمثِّل في المهاجرين؛ لما يسبِّبونه من تهديد لتلك الهُوية.

وقد وظَّفت تلك الأحزابُ قضية الهجرة في التسويق لليمين المتطرف؛ بهدف إضفاء شرعية على خطابه العنصري المعادي للأجانب، وتعزيز عملية الحشد والجذب لقِطاعات واسعة من الأوروبيين إلى الأحزاب اليمينية في الانتخابات التشريعية ببلدانهم.

لذلك وفي خطوة احترازية قررت فنلندا إغلاق آخر معبر مفتوح على الحدود مع روسيا أمام القادمين خلال الأسبوعين المقبلين، في مسعى لوقف تدفق طالبي اللجوء، ومن بينهم سوريون، إلى البلاد.

وأغلقت فنلندا الأسبوع الماضي جميع نقاطها الحدودية المتبقية باستثناء واحد في أقصى الشمال أمام القادمين من روسيا، قبل أن تعلن أمس أنها ستغلق هذا المعبر أيضاً، وأنها لن تسمح سوى بنقل البضائع من خلاله.

وأكدت الحكومة الفنلندية، أن الذين يصلون عن طريق القوارب أو الجو لا يزال بإمكانهم طلب اللجوء.

وقال حرس الحدود الفنلندي، إن نحو 900 طالب لجوء، من دول بينها سوريا والمغرب واليمن، دخلوا فنلندا هذا الشهر من روسيا، رغم أن العدد في السابق لم يكن يتجاوز واحداً في اليوم. وأضاف حرس الحدود أن قرار إغلاق جميع المعابر الحدودية الثمانية، يعني السماح فقط بمرور قطارات الشحن بين البلدين.

وتحدثت فنلندا عن معلومات استخباراتية، تشير إلى مساعدة السلطات الروسية لطالبي اللجوء، وتكشف عن أن تدفق القادمين من روسيا إلى فنلندا يزداد رغم إغلاق الحدود الفنلندية. وتتهم هلسنكي، موسكو بدفع اللاجئين إلى حدودها رداً على قرارها زيادة التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة، الأمر الذي ينفيه الكرملين.

ويتسأل المراقبون صعود اليمين المتطرف في أوربا كما في السويد وإيطاليا وأخيراً هولندا إلى أي مدى سيؤثر على الأوضاع في سوريا خاصة أن الشمال السوري الذي يسيطر عليه الفصائل الموالية لأنقرة أصبحت بؤرة للإرهاب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.