إرهاب حرام وإرهاب حلال!
نورث بالس
التجاهل العربي والإسلامي للقضايا والحقوق الكردية تجسد أيضا في غض الطرف عن المذابح والمجازر وحروب الإبادة التي تعرض ويتعرض إليها الكُرد في مختلف أجزاء وطنهم كردستان الملحق بأربع دول إسلامية.
ككردي بدأت أحسد الفلسطينيين على الاهتمام العربي والإسلامي والدولي التاريخي اللافت بقضيتهم وفصلها المتجدد في غزة. بدأت أغار منهم على حجم ونوعية المبالاة والاكتراث المخصص لهم من قبل جُل العرب والمسلمين. بموازاة ذلك، بدأت أندب حظنا العاثر على اللامبالاة وعدم الاكتراث من قبل العرب والمسلمين عموما بالمآسي والويلات التي ألمّت وتلمّ بالكُرد منذ عقود عديدة من قبل حكومات الدول الإسلامية الأربع.
العرب والمسلمون عموما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لفظيا ومعنويا وماديا ردا على المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة تحت مسمّى محاربة حركة حماس الإخوانية – الإيرانية. الشعوب العربية والإسلامية تتظاهر نصرة للفلسطينيين، والجاليات العربية والمسلمة في الشتات تتجمهر دعما للفلسطينيين، وشيخ الأزهر لا ينفك يجدد النداء: “استمروا في إغاثة غزة”، والمساعدات تتدفق بغزارة من كل حدب وصوب على القطاع. بعبارة أخرى، فالعالمان العربي والإسلامي ينتفضان من أجل الفلسطينيين في غزة.
بالمقابل، لا يرف للعرب والمسلمين ومن ضمنهم شيخ الأزهر جفن ولا ترتعش ذرة من أجسادهم إزاء إرهاب الدولة التركية المنظم والمستمر ضد الكُرد داخل كردستان تركيا وخارجها، ولا ضد قمع النظام الإيراني لهم داخل كردستان إيران وخارجها، كما أنهم لم يحركوا ساكنا إزاء اضطهاد نظام الأسدين لهم في كردستان سوريا، ولا إزاء المجازر التي كان يرتكبها النظام العراقي السابق ضدهم في كردستان العراق.
في الثقافات الشعبية يقال فلان على “رأسه ريشة أو بطحة”، وهذه كناية عن أن فلان مدلل ومفضل على نظرائه، ليس لسبب واضح أو معين وإنما فقط لأنه محظوظ. الفلسطينيون على “رؤوسهم ريش وبطحات”، أما الكُرد فعلى رؤوسهم لافتات كتبت عليها شعب الله المنحوس.
لكن، في مثال الفلسطينيين والكُرد، فإن الأسباب التي تقف وراء ازدواجية المعايير هذه واضحة وضوح الشمس في كبد السماء في البلاد التي تسطع فيها الشمس. فالفلسطينيون عرب ومسلمون من الدرجة الأولى وسُنة وخصومهم هم اليهود الذين يجمعهم مع العرب والمسلمين أولا: عداوة تاريخية مشتركة ذات جذور عقائدية مدعمة بنصوص دينية من الجانبين. وثانيا: خصومة سياسية تزامنت مع قيام دولة إسرائيل سنة 1948. وهذا يعني أن مؤازرة الفلسطينيين من قبل المسلمين هي فرض عين وكفاية.
أما بالنسبة إلى الكُرد فهم أولا: ليسوا عربا، وثانيا: ليسوا مسلمين من الدرجة الأولى بالنسبة إلى العرب وسائر المسلمين، وثالثا: فإن صراعهم، في هذا السياق، هو مع حكومات دول إسلامية، ولاسيما مع تركيا الدولة الإسلامية وريثة الإمبراطورية العثمانية البائدة والدولة الغيورة على مصالح المسلمين ولاسيما في عهد حكم رجب طيب أردوغان من وجهة نظر أغلبية العرب والمسلمين. وبالتالي، فإن اضطهاد تركيا لليتامى الكُرد هو اضطهاد حلال وأمر ثانوي لا يستأهل التعقيب، أما اضطهاد إسرائيل لفلسطينيي 1967 فهو اضطهاد حرام وجريمة كبرى لا تغتفر.
وهناك قرائن تثبت أن جذور الصراع العربي (الشعبي) والفلسطيني مع إسرائيل اليهودية هو ديني قبل أن يكون سياسيا. وهنا أسأل: إذا كانت الدول العربية والإسلامية هي التي كانت من تضطهد الفلسطينيين وترتكب بحقهم المجازر، فهل كنا سنشهد حملات التنديد والاستنكار والاستقطاب والتجييش التي نشهدها الآن لصالح غزة؟ أكاد أجزم بأن الجواب هو لا.
هل انتفض أو احتج أحد من العرب والمسلمين من أجل الفلسطينيين أثناء أحداث أيلول الأسود 1970 – 1971 بين الجيش الأردني ومنظمة التحرير الفلسطينية؟ علما أن الفلسطينيين هم من بدأوا يتصرفون كدولة داخل دولة في الأردن وهم من حاولوا اغتيال الملك حسين والتحرش بالدولة الأردنية. هل شاهدنا أحداً يناصر الفلسطينيين على المستويين الرسمي والشعبي أثناء تعرضهم للمذابح من قبل الميليشيات المارونية وبدعم من القوات السورية المحتلة في لبنان أواخر سبعينات القرن الماضي وبداية ثمانيناته؟ وهل رأينا محتجا أو مغيثا للفلسطينيين في سوريا عندما تعرضت مخيماتهم في دمشق للقصف العشوائي من قبل النظام السوري خلال سنوات الأزمة السورية المستمرة؟
أما بالنسبة إلى خذلان العرب والمسلمين لقضايا الكُرد وحقوقهم فهذا موقف قديم قدم قضيتهم، باستثناء بعض الكتاب والباحثين والشعراء الذين لا حول ولا قوة لهم. ولم يشمل التجاهل العربي والإسلامي المتعمد القضايا والحقوق الكردية بشكل عام وإنما تجسد أيضا في غض الطرف المنظم عن المذابح والمجازر وحروب الإبادة التي تعرض ويتعرض إليها الكُرد في مختلف أجزاء وطنهم كردستان الملحق بأربع دول إسلامية.
ولعل أبشع أنواع التغافل والتعامي عن تلك المجازر حدث إبان استخدام النظام العراقي السابق السلاح الكيمياوي المحرم دوليا ضد المدنيين الكُرد في كردستان العراق سنة 1988. في 17 مارس – آذار من ذلك العام استخدم نظام صدام حسين السلاح الكيمياوي في حلبجة وراح ضحية تلك المجزرة أكثر من خمسة آلاف ضحية وأكثر من عشرة آلاف من المشوهين والجرحى. بعدها بثلاثة أيام فقط، أي بتاريخ 20 مارس – آذار انعقد مؤتمر القمة الإسلامي في الكويت.
ناقش المؤتمرون القضية الفلسطينية والمسألة الأفغانية والحرب العراقية – الإيرانية ووضع الأقلية التركية في بلغاريا وأصدروا بيانا وتبنوا قرارات بخصوص الملفات المشار إليها. لكنهم لم يتطرقوا أو بالأحرى لم يراودهم مجرد التفكير في التطرق إلى ضحايا السلاح الكيمياوي الذي استخدمه النظام العراقي السابق المسلم ضد الكُرد المسلمين. في ربيع 1991 وبعد انهيار انتفاضة رانيا في كردستان العراق نزح أكثر من مليون كردي مسلم إلى كردستان تركيا وكردستان إيران هربا من بطش نظام البعث السابق وانتقامه. لم تقدم الدول الإسلامية البالغ عددها 57 رغيف خبز واحد لأولئك المنكوبين لأنهم أكراد ولأنهم كانوا ضحايا نظام عربي مسلم وكانوا في ضيافة دولتين مسلمتين، ولذلك لم تستحق المسألة التنويه.
واليوم بينما تستمر تركيا أردوغان المسلمة بقتل الكُرد المدنيين في كردستان العراق وكردستان سوريا وتدك مؤسساتهم وتهلك مصادر أرزاقهم وتحتل الآلاف من الكيلومترات المربعة في سوريا والعراق ومن ضمنها المناطق الكردية وتقيم هناك العشرات من القواعد والمراكز العسكرية وتقوم بتعطيش السوريين والعراقيين وذلك باقتطاع حصصهم من مياه نهري دجلة والفرات، لا يحرك العرب والمسلمون ساكنا. والسبب يعود إلى المصالح المشتركة مع تركيا وكونها دولة مسلمة وبالتالي فإن اضطهادها لبقية المسلمين من الكُرد حلال ومباح.
بالتأكيد الفلسطينيون ليسوا محظوظين مثل الكُرد كونهم مضطهدين ومبتلين بقيادات سياسية غير ناضجة وغير حكيمة لم يقودوا شعوبهم حتى الآن إلى بر الأمان والاستقرار والازدهار وإنما إلى الحروب الأهلية والفقر والفساد وخوض المغامرات ذات الأثمان الباهظة. لكنّ فلسطينيي 1967 في غزة والضفة الغربية محظوظون من حيث كمية الاهتمام العربي والإسلامي وكيفيته، والسبب يعود إلى أن صراعهم هو مع إسرائيل واليهود. أما التعساء والمنحوسون الكُرد فصراعهم هو مع أربع دول إسلامية. وكنتيجة، فإن كفاح الفلسطينيين من أجل نيل حقوقهم مشروع في نظر العرب والمسلمين، أما كفاح الكُرد في سبيل الحقوق فهو باطل وغير مشروع. وعلى هذا الأساس فإن إرهاب إسرائيل اليهودية ضد الفلسطينيين المسلمين أمر حرام وينبغي التصدي له بحزم وصلابة، أما إرهاب تركيا الإسلامية ضد الكُرد المسلمين فهو حلال ومباح وجائز وغير ذي أهمية.
المصدر: صحيفة العرب
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.