“موت سريري للقطاع الصحي في سوريا فمن يدفع الثمن”؟
نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان تقريراً مفصلاً حول الأوضاع الصحية في سوريا مشيراً أنه وبسبب الوضع المعيشي والأمني الذي تشهده سوريا أتاح الفرصة أمام باقي الأطباء ممن تخرجوا حديثاً لسدّ النقص الحاصل بين الكوادر الطبية، الأمر الذي انعكس سلباً على حياة المرضى ومراجعي المستشفيات أو العيادات الخاصة على حدّ سواء.
وجاء في تقرير المرصد السوري التالي:
ألقت الأوضاع المأساوية التي شهدتها سوريا بظلالها على القطاع الطبي في كامل الجغرافية السورية وذلك بسبب هجرة الكفاءات الطبية واقتصار الطب على المستشفيات الخاصة الباهظة الثمن في ظل معاناة حقيقية تشهدها الطبقة المعدومة والنازحين واللاجئين في مختلف مناطق الصراع.
ومع انقسام سوريا إلى أربع مناطق سيطرة إلا إن الواقع الطبي لا يختلف كثيراً من منطقة لأخرى فمناطق سيطرة “قسد” يضطر أغلب الأهالي إلى التوجه للمشافي والمخابر الخاصة لقلة الاهتمام وانعدام الكفاءات في المشافي المجانية، ما يزيد العبء المادي، بالتزامن مع الظروف المعيشية الصعبة كما يتكلف الكثير من أصحاب الأمراض الخبيثة والمزمنة للتوجه نحو العاصمة دمشق للعلاج مع صعوبة ومشقة السفر ودفع مبالغ مالية طائلة مقابل كل جرعة.
في هذا السياق تقول السيدة (و،ف) للمرصد السوري وهي مريضة سرطان” توجهت إلى طبيب في مدينة القامشلي وبعد أكثر من 15 يوماً من التحاليل والفحوصات المكلفة طلب مني التوجه للعاصمة دمشق لأن علاجي هناك، دون حتى أن يخبرني ما هو مرضي، لذا اضطررت للسفر عن طريق البر حيث استغرق الطريق 18 ساعة، وبعد الفحوصات الطبية أخبرني الطبيب أنني أعاني من مرض السرطان”.
كما شكت السيدة (ل،ك) من المخابر الطبية في مدينة القامشلي واحتكار بعض الأطباء لمهنتهم بالتعاقد مع صيدليات ومخابر معينة قائلة” طلب مني الطبيب تحاليل الغدة لطفلي ولكن لم يكفي المبلغ الذي بحوزتي فطلبت من الممرضة أن أجلب لها باقي المبلغ غدا فما كان منها أن ردت قائلة” إن كان صرف الدولار قد أرتفع فالحساب يتضاعف”.
أما في مناطق النظام شهد القطاع الطبي تراجعاً لافتاً بعدد الأطباء وأصحاب الكفاءات الذين اشتهرت بهم المدينة على مر الأعوام الفائتة، والذين اعتبروا مقصداً لشريحة كبيرة من المرضى من مختلف المحافظات السورية نظراً لامتلاكهم الخبرة الكافية خلال مسيرة عملهم في المجال الطبي.
هجرة الأطباء من ذوي الكفاءات العالية نحو بلدان مختلفة من العالم بسبب الوضع المعيشي والأمني الذي تشهده سوريا أتاح الفرصة بحسب “مصدر طبي” من مدينة حمص أمام باقي الأطباء ممن تخرجوا حديثاً لسدّ النقص الحاصل بين الكوادر الطبية، الأمر الذي انعكس سلباً على حياة المرضى ومراجعي المستشفيات أو العيادات الخاصة على حدّ سواء، وهو ما نراه بشكل يومي متكرر من قبل شريحة وافية من المرضى الذين أكدوا تراجع مستواهم الصحي على الرغم من اتباع تعليمات الأطباء بشكل دقيق.
(م.ح) من أهالي مدينة حمص أكدت في حديثها للمرصد “إنها اعتادت فيما مضى على تلقي علاجها على يد طبيبها الذي اجبرته ظروف الحرب على مغادرة البلاد الأمر الذي أجبرها للتوجه إلى طبيب بديل لمتابعة علاجها ومراقبة ما تعانيه من أمراض عقب استئصال الكلية، إلا أن الأدوية والتحاليل وما سواها من إجراءات طبية تم اتخاذها من قبل طبيبها الحالي تسبب لها بمضاعفات بحجم الكلية المتبقية ناهيك عن الاضطرابات التي أصابت جهاز المناعة لديها بسبب إعطاءها إبر التهاب من نوع معين لا يجب على المريض الذي استأصلت كليته أن يتناوله بأي شكل من الأشكال”.
وأضافت “بعدما عجزت عن الظفر بأحد الأطباء من ذوي الكفاءات تمكنت من الحصول على رقم طبيبي الذي استقر في إحدى الدول الأوربية، وبت أتواصل معه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأرسل له التحاليل الصور التي يطلبها مني قبل ان يقوم بوصف الأدوية التي من المفترض أن أتلقاها، الامر الذي أحدث فارقاً نحو الأفضل بما يخص وضعي الصحي”.
وعلى الرغم من إقرار حكومة النظام السوري في عدّة مواضع بأن سوريا تشهد هجرة غير مسبوقة للكفاءات الطبية والممرضين وأطباء التخدير، إلا أنها تتغافل عن الأجور الباهظة التي تفرضها إدارة المستشفيات الخاصة بحق المرضى المجبرين على التوجه إليها بعدما غابت الطبابة العلاجية بشكل شبه تام عن المستشفيات العامة والتي بات يقتصر دور كوادرها الطبية على تقديم الإسعافات الأولية وبعض الخدمات التي يمكن لأي ممرض أن يقدمها في منزل المريض.
نشطاء المرصد السوري في حمص رصدوا ارتفاع كلفة العمليات الجراحية ضمن عدد من المستشفيات الخاصة بشكل لا يتناسب مطلقاً مع الدخل المادي للأهالي، حيث بلغت تكلفة عملية الولادة القيصرية على سبيل المثال ما يقارب 2.5 مليون ليرة سورية، وعملية شبكة القلب والأوعية الدموية ما يتراوح بين 30-35 مليون ليرة، بينما يتخطى سعر جرعة أمراض السرطان الواحدة المليون ونصف المليون ليرة للجلسة الواحدة.
أكد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان في حمص قيام الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري بملاحقة جميع الأطباء الذين نشط عملهم ضمن المستشفيات الميدانية ضمن المناطق التي شهدت حراكاً ثورياً مناهضاً للنظام السوري، متهمين إياهم بتقديم يد العون ومساعدة (الإرهابيين بحسب وصفهم) الامر الذي تعاقب عليه حكومة الأسد مرتكبي هذا الجرم بالسجن عقب المثول أمام محكمة قضايا الإرهاب في العاصمة السورية دمشق.
ولفت نشطاء المرصد بأن عشرات الأطباء منن تحملوا ضغوطات الحرب والتهجير تحت واقع الضغط النفسي وآثروا البقاء في مناطقهم لإيصال رسالتهم المتمثلة بالوقوف مع من يحتاجهم من المرضى والمصابين قرروا البقاء في سوريا عقب برنامج المصالحات والتسويات التي أقامها النظام السوري، إلا ان ملاحقتهم على الصعيد الأمني والتضييق عليهم وتهديدهم من قبل المخابرات لابتزازهم مالياً، وفي حال الرفض فإن السجن هو المأوى، قررت شريحة كبيرة مغادرة البلاد بطرق غير شرعية بحثاً عن مكان يحظون به بالعيش الكريم، لتكون بذلك أجهزة المخابرات ساهمت بشكل كبير بتهجير الكفاءات الطبية من البلاد.
كما أكد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل الموالية لها، أيضاَ تفتقر فيها المشافي والمراكز الصحية لوجود الخبرات الطبية بعد هجرة غالبيتهم لخارج سوريا نتيجة استمرار الأحداث في سوريا والتي أدت لتردي الأوضاع المعيشية لاسيما بعد موجات النزوح والتهجير القسري، إضافة لتدني الأجور والرواتب الشهرية، وانتشار المحسوبيات بسبب هيمنة تلك الفصائل المتعددة على القطاع الصحي، مما خلف نقصاً حاداً في الكفاءات الطبية نتج عنه ظهور الكثير من الأطباء والممرضين عديمي المعرفة بجري توظيفهم إما لسد حالة الفراغ في بعض المشافي، أو لوجود المحسوبيات من قبل القائمين على سير عمل القطاع الصحي في هذه المناطق، الأمر الذي تسبب بمعاناة المرضى نتيجة ذلك ولعدم وجود القدرات الطبية اللازمة ما يدعو بالكثير منهم للتوجه لتلقي العلاج في تركيا بتكاليف باهظة.
ويبقى قطاع الصحة كباقي القطاعات التي تأثرت بالصراع وآلة الحرب التي أودت بحياة أطباء كثيرين ودفعت بالكثير منهم لمغادرة البلاد بحثاً عن ملاذ آمن، فهجرة الأطباء تحولت لنزيف أدى إلى تدهور القطاع الصحي الأمر الذي انعكس سلباً على السوريين خاصة الطبقة الفقيرة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.