أردوغان في القاهرة.. ما لم يأخذه بالصدام يحصل عليه باللين
نورث بالس
دخلت العلاقات بين مصر وتركيا منعطفا جديدا إثر الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة الأربعاء، واستقباله من قِبَل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في المطار وهو منتش بتحقيق نصر معنوي على غريمه السابق الذي كان من المقرر أن يستقبله في أنقرة العام الماضي.
وأجبرت المصالح أردوغان على زيارة القاهرة ودفعته من قبْل إلى التراجع عن تمسكه بدعم جماعة الإخوان وكذلك تغيير أسلوبه في إدارة الخلافات الإقليمية تحت تأثير الوضع الاقتصادي في بلاده.
ويقف خلف استدارة تركيا التيقّن من عدم الوصول إلى النتائج المنتظرة عبر التحدي ورعاية تيار الإسلام السياسي، وأن ما لم يتحقق بالصدام يمكن تحقيقه بالمصالحة والوئام.
ووقع الرئيسان في القاهرة عددا من اتفاقيات التعاون المشتركة بين البلدين، كما وقعا الإعلان المشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى.
وتعهد أردوغان في المؤتمر الصحفي المشترك مع السيسي بزيادة حجم التجارة المتبادلة مع مصر إلى 15 مليار دولار على المدى القصير، لافتا إلى أن “مصر تقوم باستثمارات مهمة في قطاع الدفاع، وأنا واثق من أننا سنتعاون معها على تطوير مشاريع مشتركة”.
ودعا أردوغان السيسي إلى زيارة تركيا في أبريل القادم، مؤكدا أن الزيارة ستكون نقطة تحول جديدة في العلاقات بين البلدين.
من جهته، قال الرئيس المصري “نفتح مع تركيا صفحة جديدة بين بلدينا بما يثري علاقاتنا الثنائية ويضعها على مسارها الصحيح”.
وأضاف الرئيس المصري “أكدنا ضرورة تعزيز التشاور بين مصر وتركيا حول الملف الليبي بما يساعد على عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالبلاد”.
وتعد هذه الزيارة تتويجا لجهود دبلوماسية بُذلت في الأعوام الثلاثة الماضية من أجل التوصل إلى حل لعدد من القضايا الخلافية واستئناف العلاقات، وتتويجا أيضا لخطوة عودة السفراء التي تمت منذ أشهر، وتنامي حديث بعدها عن تطوير العلاقات في مجالات مختلفة.
وتفتقر المصالحة الراهنة مع القاهرة إلى شهادة “حُسن سير وسلوك” أردوغان نظرا إلى التراكمات السابقة، لكنها تتضمن شهادة على غلبة منهج الصفقات الذي ربما يحقق ما عجزت الصدامات عن الوصول إليه؛ فقد اصطحب الرئيس التركي معه إلى القاهرة وزراء: الخارجية، والدفاع، والخزانة، والمالية، والصحة، والصناعة والتكنولوجيا، والتجارة.
وقال مدير تحرير مجلة السياسة الدولية سامح راشد لـ”العرب” إن “المصالحة بين البلدين سبقتها مشاورات ومحادثات طويلة بعد اقتناعهما بفكرة أن مساحات التفاهم أوسع من دوائر الاختلاف، وهو ما ينطبق على التقارب التركي – الخليجي، فالمصالح المشتركة أكبر والتحديات قد تكون متشابهة”.
وأضاف أن “تقارب تركيا مع كل من السعودية والإمارات انطلق بشكل واضح من مرتكزات اقتصادية، قوامها الاستثمارات في تركيا والواردات منها، مع وجود دوافع سياسية وأمنية معتبرة تتعلق بالتنافس على النفوذ الإقليمي بين تركيا وإيران”.
وأوضح راشد أن “الدوافع السياسية التي حدت بتركيا إلى التقارب مع مصر هي دوافع رئيسية، لأن العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وأنقرة ظلت قائمة خلال فترة التوتر، لكنها بوتيرة أقل، والمستجدات المتلاحقة وتزايد بؤر الصراع مثَّلا قوة دفع نحو مراجعة جادة للحسابات بين البلدين واتباع منهج الحوار لتحقيق منافع متبادلة”.
ودخل ملف التسلح في خضم العلاقات وقد يكون أداة جديدة تساعد على تطويرها، حيث أعلن وزير خارجية تركيا هاكان فيدان قبل أيام عزم بلاده تزويد مصر بطائرات مسيّرة، ما يعني أن أنقرة تريد إيجاد سوق جديدة لطائرتها المسيّرة (بيرقدار) التي أثبتت جدارة في ميادين قتال ظهرت فيها، وامتلاك واحدة من أدوات الثقة مع القاهرة، ويمكن أن تتحول إلى وسيلة ضغط غير مباشر إذا تزايد اعتماد مصر على “بيرقدار”.
وأخفقت تركيا في تحقيق أهدافها في غالبية القضايا التي زاحمت فيها مصر، واقتنعت بفكرة أنها يمكن أن تصل إليها بطرق بديلة ناعمة.
وتملك تركيا رصيدا تاريخيا في المجتمع المصري، ونجحت تجربتها السياسية والاقتصادية قبل وصول الإخوان إلى السلطة في جذب شرائح عدة داخل مصر، وخسرت جزءا كبيرا من هذا الرصيد عندما وقفت ضد النظام المصري عقب ثورة شعبية عارمة أسقطت نظام حكم الإخوان، ولهذا تريد التسلل عبر منهجها الناعم، والذي قد يمكّنها من استعادة نشاطها واستقطاب قوى وأصحاب مصالح في مصر.
وبدت خطوات النظام المصري بطيئة حيال التجاوب مع تحركات أردوغان، على الرغم من حديثه المستمر عن أهمية تطوير العلاقات في العامين الماضيين، لكنْ لم يتوفّر للقاهرة ما يكفي من عوامل الثقة بتوجهاته، وقد كانت تدرك أن استدارته الإيجابية نحو عدد من القوى الإقليمية هي خيار اضطراري وليست نابعة من اقتناع ذاتي.
ويواجه النظام المصري تحديات داخلية وخارجية صعبة لا يملك معها رفاهية الممانعة وصد التقارب مع تركيا التي استفادت من انفتاحها على حلفاء القاهرة في الخليج، وطورت علاقاتها مع قوى عدة، ولها نفوذ في دول أفريقية تمثل أهمية لمصر، ويمكن توظيف علاقاتها الجيدة مع إثيوبيا والصومال، والتنسيق معها في أزمة السودان.
ولذلك سيكون التطور الإيجابي في علاقات مصر وتركيا محكوما بمنطق الصفقات السياسية، فكل فائدة تحصل عليها الأولى لها مقابل لدى الثانية، والعكس صحيح، وهذا المنطق سمة رئيسية في الكثير من التفاعلات الإقليمية والدولية.
لكنْ في الحالة المصرية يبدو أشد وضوحا، وسوف تظل سياسة خطوة مقابل خطوة هي المعمول بها، لأن انفتاح القاهرة على أنقرة مسكون بهواجس وتبعات جماعة الإخوان التي لن يتخلى عنها أردوغان، باعتبارها أحد مكونات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
المصدر: صحيفة العرب
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.