سردية الخوف والهيمنة.. توظيف تركيا للفصائل الإرهابية في ملحمة كردوفوبيا
نورث بالس
تقلبت رحى الأزمة السورية عبر عقد مضى، فكانت مسرحًا للتحولات السياسية والعسكرية الدؤوبة التي أجبرت عليها وطأة الصراع المتواصل تنوعت على إثرها ديناميات القوى المحلية والإقليمية، وتغيرت الولاءات وفقًا للمصالح الانتهازية والغايات الاستراتيجية المرسومة.
وبانقضاء ثلاثة عشر عامًا من اندلاع شرارتها الأولى، تحولت النظام السوري من رياح التغيير المنشودة إلى محور يستقطب اهتمام القوى الإقليمية المتربصة باتت في بعض تشعباتها، الأداة المفضلة لتحقيق مآرب تلك الدول يركز هذا التقرير على الصلات المعقدة بين النظام وتركيا، وكيف أصبح الكرد ضحايا للمطامح التركية وللتنظيمات الإرهابية.
فقد أدارت تركيا براعمها في مسرح النزاع السوري، مستخدمةً ما تسمى بفصائل إرهابية كخيوط متشابكة لنسج مصير مرسوم بين أيديها تشهد التقارير والتحليلات على استخدام أنقرة لاتباعها من الفصائل على الأرض السورية لسلسلة من الطموحات المبيتة والنيل من ركائز المشروع الديمقراطي بالشمال السوري.
تفاوتت المسميات ولكن الهدف واحد، إذ ابتُدعت عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، تحت رايات المناطق الآمنة، إلا أنها اتضحت للعيان بأنها محاولات تستبطن تقويض المنجزات التي أسهمت بها قوات سوريا الديمقراطية في دحر داعش وإرساء دعائم الأمان.
كانت أرض سوريا ميدانًا للتطورات المعقدة والتي يُضاف إلى تعقيداتها نفوذ ما تسمى بالفصائل المدعومة تركياً وقد نشرت سطوتها على شتى مناطق الشمال، انغمست في معارك طاحنة، أبرزها احتلالهم لمنطقة عفرين ورأس العين وتل أبيض.
تُسطر عملية عفرين، التي وُلجت في يناير من 2018، فصولاً من مأساةٍ كبرى، تميزت بالتهجير القسري بالجملة، حيث شُرد أكثر من 300 ألف كردي، وتلا ذلك تغيير ديمغرافي وخروقات لحقوق الإنسان نالت استنكارًا من المنظمات الدولية.
فيما تتجلى مشاعر العداء الكامنة، المتأصلة في النفوس، من جانب تركيا تجاه الكرد في انتهاكها المتعمد لرموزهم التاريخية، وأبرزها تدمير تمثال كاوا الحداد، الذي ينبض في الوجدان الكردي كرمزٍ للعزة والصمود هذه الفعلة، التي ارتُكبت في خضم احتلال تركيا لعفرين
وكإضاءة لمزيد من التصرفات المناهضة للقوانين الدولية، تعمدت تركيا في أكتوبر 2019 إلى إطلاق عملية “نبع السلام” لتضفي بظلالها على رأس العين وتل أبيض، وتُلحق بذلك احتلالًا جديدًا يتذرع بذرائع غير مستندة إلى أي سند.
تلك التطورات هي لا محالة انعكاس لسياسة تركيا الخارجية وتأثيرها البارز في المعادلة السورية، وتشير إلى التحديات الجسام التي تحول دون المحافظة على الاستقلال وتماسك البنيان الإقليمي لسوريا وسط صراعٍ يتقلب ويتبدل بحسب المناخ الإقليمي والدولي.
وكمثال على امتداد التسلط التركي خارج حدود النظام السوري، لم تتورع تركيا عن تحويل المقاتلين كبيادق إلى ليبيا من خلال وكالات أنشأتها في المعاقل التي تحت سيطرتها، مقابل مكاسب مادية، في خرقٍ فاضح للقرارات الدولية القائمة على حظر توريد السلاح هذا فوق تجاهل قرارات مؤتمر برلين، الهادفة إلى تقوية الرقابة على تجارة الأسلحة، وتفكيك الفصائل الإرهابية.
مع دوران عجلة الزمان وتكشف الأوراق على مسرح الأحداث، قد يكون المستقبل أمام تلك الفصائل كصحائف خُلعت من كتاب الحرب بالمنطقة، تلك الفصائل التي لطالما استُخدمت كجنود في لعبة الشطرنج الإقليمي قد تجد نفسها أمام مصائر معلقة بين سندان التخلي ومطرقة التجاهل وأن تركيا التي أوقدت شعلة تعاملها مع هؤلاء اللاعبين قد تجد نفسها، في نهاية المطاف، تنفض يدها من رماد قطع الشطرنج تلك، مخلفةً وراءها بقايا من مشهد دمار لم يضاهيه إلا الحرائق التي اشتعلت.
ففي النهاية، يظل الأمل معقودًا على إرساء العدالة وإحياء السلام في المنطقة واتخاذ المشروع الديمقراطي في الشمال السوري الذي يجمع مكونات شمال وشرق سوريا تحت ظل الإدارة الذاتية المشروع الأمثل لعموم سوريا والوقوف بوجه الأطماع التركية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.