رياض يوسف
تخوفت الكثير من الدول والحكومات (عدا تركيا)؛ من قرار انسحاب الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب في سباق الرئاسة الأمريكية، وإعادة انتخاب ترامب مرة ثانية، ليتسلم منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن نائبة الرئيس “بايدن” كامالا هاريس نالت الدعم وثقة الحزب الديمقراطي، وتم ترشيحها بشكل رسمي لخوض هذه الانتخابات.
أبدت الحكومة التركية في كواليس القصر الرئاسي سعادتها بهذا الانسحاب، لما لاقاه من تصرفات من الرئيس “جو بايدن”، حين ألغى استقباله لاردوغان في البيت الأبيض أثناء حضوره لأمريكا للمشاركة في قمة الناتو، وأملاً منها بالتخلص من سياسة بايدن التي وقفت بالضد من أطماع اردوغان التوسعية في الشمال السوري إلى حدٍ ما. على عكس ترامب الذي سهل وفتح المجال أمام هذه الأطماع، وأعطى الضوء الأخضر لاردوغان لاحتلال المزيد من الأراضي في إقليم شمال وشرق سوريا.
لذا فقد لوحظ اهتمام أردوغان بمرحلة ما بعد الانتخابات في أمريكا، حيث أجرى مكالمة هاتفية مع ترامب، الذي تعرض لمحاولة اغتيال في 13 من شهر تموز، متمنياً له التوفيق. ووصف تلك المحاولة بأنها “هجوم على الديمقراطية” مهنئاً ترامب على ترشحه للرئاسة.
حيث يعتبر هذا الاتصال علامة على استعداد انقرة للمرحلة الجديدة التي تلي هذه الانتخابات، وقد كشف اردوغان توقعاته لها أثناء عودته من رحلته الأخيرة إلى واشنطن، خلال إجابته عن سؤال بشأن العقوبات الأمريكية المفروضة على الصناعات الدفاعية التركية، وقال: “نعتقد أن الانتخابات، خاصة في الولايات المتحدة، لها دور حاسم في هذا، أما عن الخطوات التي يمكن اتخاذها بالتزامن مع نتيجة هذه الانتخابات، فسنبحث هذا بشكل منفصل، لكنني أعتقد أن البوصلة تتحول لصالح تركيا. لذلك، أنا مطمئن. أنتم أيضاً كونوا مطمئنين”.
ما المطمئن في اتجاه هذه البوصلة؟ وما الفرص التي يمكن لاردوغان أن يتوقعها أثناء ولاية ترمب؟
ستعد العلاقات التركية الأمريكية (إذا فاز ترمب) واحدة من أكثر القضايا التي يتم الحديث عنها في الدبلوماسية وراء الكواليس في تلك الفترة.
فوفق تقرير لوكالة دويتشه فيله الالمانية بنسختها التركية، يرى السفير المتقاعد والمحلل الكبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي “ألبير جوشكون” بأن هذا النمط كان مؤثراً إلى حد ما في العلاقات مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه كان هناك منذ فترة طويلة تصور بأن تركيا يمكن أن تتحدث بحرية أكثر قليلاً مع الإدارات الجمهورية.
وذكر “جوشكون” أن مرشح الديمقراطيين “جو بايدن” كان حريصاً دائماً على أن يكون على مسافة معينة مع أردوغان بالرسائل التي نقلها قبل وبعد وصوله إلى السلطة، مفيداً أن بايدن لم يتواصل مع أردوغان بعد مكالمته الوحيدة التي أبلغه خلالها إنهم سيعترفون بالإبادة الجماعية للأرمن بعد توليه الرئاسة.
وأضاف جوشكون “أن أهمية تركيا برزت مع أزمات مثل أفغانستان وأوكرانيا، وعندها فقط غير بايدن موقفه قليلاً تجاه الرئيس أردوغان”.
وفيما يتعلق بنظرة الحكومة التركية إلى كل من بايدن وترامب، قال جوشكون: “لقد جعلني هذا الوضع أشعر وكأننا نستطيع التحدث إلى ترامب، لكن لا يمكننا الاتصال به الآن. ومع ذلك، أرى أنه لا ينبغي لي أن أفكر بهذه الطريقة بالضبط، لأنه ربما كان يتم التباحث مع ترامب، لكنني أعتقد أنه غالباً ما ضلل تركيا بموقفه الذي لا يمكن التنبؤ به، وخطابه التعسفي خلال الرئاسة، مما أعطى الانطباع بأنه يمكن أن يحصل على نتائج باستخدام الصلاحيات التي لم يكن يمتلكها بالفعل”.
وتشير عضوة هيئة التدريس في جامعة قادر هاس، “سينام أكغول أتشيكماشا”، إلى أنه إذا أعيد انتخاب ترامب، فإن أنقرة ستفضل العلاقات الثنائية والحوار الوثيق مع أمريكا، على عكس فترة بايدن، قائلة: “لقد سُجلت فترة حكم بايدن في التاريخ كفترة من عدم الحوار، وعدم التواصل بالنسبة لتركيا. كان الاستثناء الرئيسي هو الحوافز التي دفعت السويد وفنلندا إلى إلغاء حق النقض التركي على عضويتهما في الناتو، في هذا الصدد، سيخلق عصر ترامب فرصة اتصال أكثر تفضيلاً لتركيا مع النصائح التي قدمها عصر ترامب السابق”.
فيما أكد جوشكون أن تواصل الزعيمين هاتفياً لا يمكن اعتباره بمفرده دليلاً على وجود علاقة جيدة بين البلدين، وقالت: “لا أعتقد أن هناك صورة ستشجعنا على النظر إلى التفاصيل، ووضع التطورات فوق بعضها البعض، والقول إننا ندخل فترة جيدة مع ترامب مرة أخرى. ولا أقول إن هذا حدث في عهد بايدن أيضاً. من المعروف أين كنا خلال فترة بايدن”.
ويسرد جوشكون بالقول: “الفارق بين المرشحين بنظرة دبلوماسية: هو أنني أعتقد أن إدارة بايدن، أو بالأحرى الديمقراطيين، أكثر قابلية للتنبؤ واستقراراً من حيث قواعد السلوك الخاصة بهم، لذا فإن قدرتهم على تضليلنا أقل قليلاً، وطالما أنها تُدار بشكل جيد على المدى الطويل، أعتقد أنها أرض أصح وأكثر قابلية للإدارة”.
استجدت الكثير من الأحداث في فترة الرئيس جو بايدن، فحرب إسرائيل وحماس زادت من طينة اردوغان بلة، فقد حَمَّلتْ تصريحاته الأخيرة ضد إسرائيل، بإمكانية إرسال مرتزقة سوريين لمساعدة حركة حماس في حربها ضد إسرائيل، ووصف خارجيته نتنياهو بهتلر، حملاً إضافياً لحكومته. فالجمهوريين وترامب معروفون بسياساتهم المؤيدة لإسرائيل.
وفي هذا السياق أشارت “أتشيكماشا” إلى إعلان ترامب دعمه اسرائيل بكل فخر وقت اندلاع الحرب في قطاع غزة، قائلة: “لقد رأى ترامب إسرائيل كحليف قَيِّم وسيواصل القيام بذلك، من الواضح أنه سيكون هناك صراع بين سياسة ترامب المؤيدة لإسرائيل، ودعم تركيا الحاد لفلسطين، ونهاية المذبحة الإنسانية في فلسطين”.
من جانبه، قدم “جوشكو” تذكيراً مشابهاً قائلاً: “يجب ألا ننسى حقيقة أن ترامب يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. لذلك نحتاج إلى النظر في إمكانية أن تكون إدارة ترامب محاوراً أكثر صعوبة لتركيا، وهو أمر حساس بشأن هذه القضية، من حيث الخط الذي نقف عليه في سياق الشرق الأوسط”.
الاحتمال الآخر الذي يدفع أنقرة ودول المنطقة إلى خطط جديدة مع احتمال وصول ترامب، هو انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، حيث كان أحد التطورات البارزة في عهد ترامب هو أنه في 19 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2018، بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس أردوغان، أعطى الأمر “بسحب القوات الأمريكية في سوريا بالكامل”، ومع ذلك لم يسفر هذا الخطاب عن نتائج مع تدخّل مؤسسات مثل البنتاجون والقيادة المركزية الأمريكية”.
إضافة إلى هذا الرفض، والدراية التامة بالوقائع على الأرض من تنامي خطر تنظيم داعش الإرهابي، في الأشهر الأخيرة وقيامه بالعديد من الهجمات ضد حلفاء أمريكا في إقليم شمال وشرق سوريا، والتخوف من تزايد وعودة هذا التنظيم للحياة، وتهديده للعالم مجدداً؛ وكذلك التهديدات المباشرة للقوات والمصالح الأمريكية في شمال وشرق سوريا على خلفية اغتيال إسماعيل هنية في إيران قبل أيام؛ ستستمر تلك المؤسسات بتقديم المزيد من الدعم لقوات سوريا الديمقراطية في إطار الاستمرار في محاربة هذا التنظيم، والحيلولة دون ظهوره وتقويته مرة أخرى. والوقوف في وجه الهجمات المحتملة على القوات الأمريكية من قبل الفصائل التابعة لإيران.
كما أن هدف ترامب في الفترة الجديدة قد يكون الصين وليس روسيا. وفي هذا السياق، يسلط “جوشكون” الضوء على الاحتمالات التي تنتظر تركيا، التي أقامت مؤخراً علاقات وثيقة مع الصين، وحاولت جذب الاستثمار، قائلاً: “لا ينبغي أن ننسى أن ترامب فرض عقوبات تجارية على تركيا، ولا تزال تركيا تواجه مشكلة كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية في صادرات الألومنيوم والصلب. هذه هي القيود التي جاءت في عهد ترامب، وإذا تحول ترامب إلى خط أكثر صرامة في نهجه تجاه التجارة العالمية والصين، فقد تنشأ صعوبات إضافية وحتى عقوبات جديدة على تركيا “.
كما أن أكثر التطورات التي لا تنسى في ولاية ترامب الأولى لتركيا هي أزمة القس “أندرو كريج برونسون”، وعقوبات إس -400، وتهديد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي، وعبارة “لا تكن أحمق” التي استخدمها في رسالته الموجهة إلى أردوغان.
فعلى الرغم من أن الأخير أعلن أنهما أقاما علاقات جيدة، إلا أنه خلال فترة ولايته التي استمرت أربع سنوات، ذُكر ترامب في تاريخ العلاقات الثنائية كرئيس الولايات المتحدة، الذي فرض عقوبات على تركيا خمس مرات، اثنتان لقضية القس برونسون، واثنتان لشراء S-400، وواحدة للعمليات ضد وحدات حماية الشعب الكردية.
وأدت هذه القضية وغيرها من القضايا المماثلة إلى أكثر فترات العلاقات الثنائية اضطراباً في ولاية ترامب الأولى، وهذه القضايا جميعها ما زالت موجودة ومستمرة، إضافة إلى مستجدات سلبية لتركيا، إذ يمكن اعتبارها دليلاً على أن الشراكة الاستراتيجية المرغوبة غير موجودة بالفعل، ولن تتوفر في الفترة المقبلة (أي فترة فوز ترامب في ولاية جديدة كرئيس لأمريكا). وإن التفاؤل التركي سيصطدم بمستجدات ومتغيرات متسارعة وكلها تدور عكس العجلة التركية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.