نورث بالس
وافقت إدارة ترامب على أول صفقة على الإطلاق لشركة أمريكية لتطوير وتحديث حقول النفط في شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يدر العقد السري، الذي كان قيد التفاوض منذ أكثر من عام وتم التوقيع عليه في سوريا الشهر الماضي، مليارات الدولارات للسلطات في شمال شرق سوريا، ولن يتم تقاسم أي منها مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، بحسب المصادر التي تحدثت لـ CNN.
أثارت أنباء الصفقة استنكاراً فوريا من حكومة الأسد في دمشق، التي أصدرت بيانًا يوم الأحد، قالت فيه إن الصفقة محاولة “لسرقة نفط سوريا تحت رعاية ودعم الإدارة الأمريكية”، وأن الاتفاقية “باطلة ولاغية وليس لها أساس قانوني “.
يتماشى العقد مع هدف الرئيس دونالد ترامب منذ فترة طويلة والمتمثل في تأمين السيطرة الأمريكية على حقول النفط في المنطقة، وتنال شركة أمريكية غير معروفة، دلتا كريسنتإنرجي، مجال واسع لتطوير وتحديث أكثر من نصف حقول النفط السوري الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وقال جيمس كين، سفير الولايات المتحدة السابق في الدنمارك خلال إدارة جورج دبليو بوش وأحد مؤسسي شركة دلتا كريسنتإنرجي، “لقد أذن لنا بالمشاركة في جميع جوانب تطوير الطاقة والنقل والتسويق والتكرير والاستكشاف من أجل تطوير وإعادة إعمار البنية التحتية في المنطقة ومساعدة الناس هناك على إدخال إنتاجهم إلى السوق الدولية”.
شريكي كاين الآخرين في الشركة هما جيمس ريس، ضابط متقاعد في قوة عمليات دلتا والذي كان يدير شركته الأمنية الخاصة، وجون دورير، وهو مدير تنفيذي مخضرم في مجال النفط ويتمتع بسنوات من الخبرة في العمل في الشرق الأوسط.
وقالت المصادر لشبكة CNN إن الثلاثي شكل الشركة الجديدة لغرض وحيد وهو تأمين هذه الصفقة في سوريا وعملت بشكل مكثف مع مسؤولي وزارة الخارجية لأكثر من عام. وإن الشركة تلقت في أبريل/نيسان ترخيصًا من وزارة الخزانة يعفيها من حزمة العقوبات المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا من أجل عزل حكومة الأسد.
وسعت وزارة الخارجية والبنتاغون رسميًا إلى الابتعاد عن المشروع، لكن المصادر أخبرت CNN أنه وراء الكواليس كانت وزارة الخارجية نشطة من أجل إتمام الصفقة.
في الأسبوع الماضي، أكد وزير الخارجية مايك بومبيو لأول مرة وجود الصفقة في معرض رده على سؤال من السناتور الجمهوري ليندسي غراهام خلال جلسة استماع في الكابيتول هيل.
وأخبر بومبيو جراهام أن “الصفقة استغرقت وقتاً أطول قليلاً مما كنا نأمل ونعمل الآن ويمكن أن تكون عملية جداً”.
وتمنح صفقة النفط الولايات المتحدة قاعدة أكثر صلابة في جزء متنازع عليه بشدة من الشرق الأوسط وتعزز تحالفها المشكوك فيه مع الإدارة الذاتية بعد أقل من عام من قول ترامب إنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا، وفعلا جرى سحبهم من بعض أجزاء البلاد.
لكنها (أي الصفقة) ستؤدي بلا شك إلى تفاقم التوترات مع روسيا، التي تقول المصادر لـ CNN إنها كانت تتنافس أيضًا على الفوز بالعقد.
لم تخف روسيا عزمها على فرض سيطرتها على حقول النفط في شمال سوريا، التي يعتبرها حكومة الأسد مصدراً أساسياً للدخل في جهوده لإعادة الإعمار بعد سنوات من الحرب الأهلية المدمرة.
في عام 2018، هاجم المرتزقة الروس والقوات الموالية للحكومة السورية بشكل استفزازي موقعًا تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية ويتواجد فيه مستشارين أمريكيين. أثارت هذه الخطوة رد فعل أمريكي مدمر، وسلسلة من الضربات الجوية والمدفعية التي قتلت أكثر من 100 مقاتل.
أحد الأهداف الرئيسية للصفقة، التي تغطي حوالي 60٪ من النفط الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، هو حرمان الأسد من العائدات التي تدرها حقول النفط المطورة حديثًا. وقال مصدر مطلع على العقد إنه يحتوي في الواقع على بند يحظر صراحة تقاسم أي عائد مع نظام الأسد.
وقال المصدر “القصد هنا هو حرمان نظام الأسد من أي عوائد مشروعة من إنتاج الطاقة في المنطقة”.
وعززت روسيا بشكل علني نفوذها في المنطقة بدعمها الكامل للأسد على مدى السنوات العديدة الماضية. وقد لعبت دورًا مع أصول نفطية أخرى معرضة للخطر في المنطقة، وسيطر المرتزقة الروس مؤخرًا على حقلين نفطيين في ليبيا، لا يزالان غارقين في حرب أهلية.
قالت وكالة مخابرات الدفاع الأمريكية “إنه حتى ديسمبر/كانون الأول 2019، منح النظام السوري عقود التنقيب عن النفط إلى الشركات الروسية في مناطق تقع في شرق سوريا حيث توجد قوات سوريا الديمقراطية، مما يدل على نيتها في إعادة تأكيد السيطرة على حقول النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، “وفقا لتقرير حديث صادر عن البنتاغون نشر يوم الثلاثاء.
انتقدت موسكو أنباء صفقة دلتا كريسنتإنرجي، ونشرت السفارة الروسية في كندا تغريدات قالت فيها “تحت ستار الديمقراطية والحرية (حرية السوق) تستمر الدول الغربية بنهب الموارد الطبيعية في سوريا”.
وعلى الرغم من المنافسة الشديدة على حقولها النفطية، فإن سوريا ليست منتجًا رئيسيًا للنفط، وتفتقر إلى الموارد التي يمتلكها بعض جيرانها الأغنياء مثل العراق.
وبحسب تحليل أجرته شركة بريتيش بتروليوم، تمتلك سوريا حوالي 2.5 مليار برميل من النفط من الاحتياطيات المؤكدة، وهي تشكل 0.1٪ فقط من الإجمالي العالمي، مقارنة بـ 8.4٪ للعراق المجاور و 2.8٪ في ليبيا.
انهار إنتاج النفط في سوريا وسط الدمار الذي أحدثته الحرب الأهلية السورية، حيث انخفض من 385،000 برميل يوميًا في عام 2010 إلى 24،000 برميل يوميًا في عام 2019 وفقًا لشركة بريتيش بتروليوم، وعلاوة على ذلك انخفض سعر النفط العالمي في الأشهر الأخيرة، تاركًا العديد من شركات النفط التقليدية الأكبر للتركيز على المشاريع التي يسهل الوصول إليها والأقل تكلفة، وهو وصف قلما ينطبق على سوريا التي مزقتها الحرب.
قبل انهيار أسعار النفط، قدرت وكالة مخابرات الدفاع أن حقول النفط في شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية قد جمعت على الأرجح “ما بين مليون دولار و3 ملايين دولار يوميًا من العائدات حتى الانهيار الأخير للأسعار”، وفقًا لتقرير البنتاغون المنشور يوم الثلاثاء.
وعلى الرغم من أن ترامب قد أشار سابقًا إلى رغبة شركة نفط غربية كبرى في مساعدة الكرد السوريين على تطوير نفطهم، نظرًا للمخاطر، فمن غير المحتمل أن تتدخل شركة كبرى أبدًا. وهو ما ترك المجال مفتوحا أمام دلتا كريسنت للاستثمار.
وتعود أصول العلاقة بين كاين وريس إلى عام 2016، عندما قُتل صهره وشقيقته في بروكسل بعد هجوم داعش على مطار بروكسل الدولي.
بتوجيه من الأصدقاء، تواصل كاين مع ريس، وهو ضابط في قوات المشاة خدم لمدة 18 عامًا وحاز على وسام قبل التقاعد في عام 2007. تم إخبار كاين بأن ضابط قوة دلتا السابق، ومؤسس شركة الأمن الخاصة TigerSwan، قد يتمكن من مساعدته، قال كاين. وأبرمت شركة TigerSwan العديد من العقود مع وزارة الخارجية على مدى السنوات القليلة الماضية، لمساعدتها على تقديم المساعدة الإنسانية وتحقيق الاستقرار في أجزاء من سوريا التي دمرتها الحرب الأهلية.
تشاور كاين وريس وبدءا بمناقشة التداعيات الأعمق لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا. واتفقا على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى اتباع نهج أكثر فاعلية لتحقيق الاستقرار في إمدادات النفط في المنطقة وضمان بقائه خارج أيدي الجماعات الإرهابية وداعش، كما أوضح مصدر مطلع على تفكيرهما. وبمرور الوقت، بدأوا في صياغة الفكرة لشركة يمكنها ملء الفراغ على الأرض في سوريا.
وتوصل كلا مؤسسي دلتا كريسنتإنرجي، إلى أنهما بحاجة إلى شخص لديه خبرة نفطية، وفي النهاية قاما باختيار دورير للانضمام إليهما.
وكان دورير من بين أوائل مديري النفط الأمريكيين الذين يتنافسون للحصول على عقود مع بغداد بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
ووفقًا لتقارير إخبارية في ذلك الوقت، أي في مايو 2003، وقعت شركة دورير، غلف ساندز بتروليوم، أول عقد نفطي أمريكي في سوريا منذ 15 عامًا، ووافقت على حفر آبار في شرق البلاد، وهي منطقة تسيطر عليها حاليًا قوات سوريا الديمقراطية.
في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز علاقات أفضل مع حكومة الأسد.
في أواخر عام 2018، كتب كاين مقالًا معارضًا لإعلان ترامب في وقت سابق عن خطط، لسحب القوات الأمريكية من سوريا – بحجة أنه سيخاطر بحياة الأمريكيين ويقوض الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
في نفس الوقت تقريبًا، بدأ كاين وريس مناقشات مع وزارة الخارجية، بما في ذلك جيمس جيفري الذي هو الممثل الخاص الأمريكي في سوريا، حول خططهم النفطية، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ CNN.
وأثناء سفره في رحلاته المتقطعة إلى سوريا، ناقش ريس الاقتراح مع الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية.
عندما حصلوا في النهاية على ترخيص مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في أبريل، ظهرت جائحة الفيروس التاجي ما عرقل خططهم. واستغرق الأمر شهورًا حتى تمكنوا من السفر إلى سوريا مرة أخرى وتأمين التواقيع رسميًا على عقدهم. وقال إن ذلك حدث في منتصف يوليو، مما دفعهم إلى السير في طريق البدء في تنفيذ خطط تحديث حقول النفط وإدخال إمدادات النفط الحالية في السوق الدولية.
وقال كين “نحن ندرك المخاطر ولكننا لا نخجل من الفرصة أو الالتزام”، دون تقديم تفاصيل عن نهجهم تجاه وابل المخاطر التي ينطوي عليها الجهد.
ويجادل الخبراء الإقليميون بأن تحقيق النجاح سيكون معركة شاقة، خاصة بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد الذي أدى إلى طرد غالبية الشركات التي حاولت الاستثمار في البلاد.
“شهدت السنوات القليلة الماضية منذ بداية الحرب في سوريا انسحاب معظم الشركات الدولية من البلاد، حيث أصبحت بيئة الأعمال أقل جاذبية نتيجة للمخاوف الأمنية والعقوبات الدولية وقضايا السمعة وضعف البنية التحتية للأعمال”، بحسب أندرو فريمان، محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة كونترول ريسكس للاستشارات الذي تحدث لـ CNN.
وأضاف فريمان أن الفائدة الأساسية للصفقة هي “إضعاف مطالبة الأسد باستعادة السيطرة على المناطق الكردية في سوريا؛ بضمان عدم قدرته على الاستفادة من أي حقوق في النفط والغاز وضمان عدم تمكن الشركات الروسية أو الإيرانية من السيطرة على أصول النفط والغاز هذه (كما فعلوا في أماكن أخرى)”.
في حين أن مكانة ودور الجيش الأمريكي في سوريا محدود، مع وجود أقل من 1000 جندي أمريكي حاليًا في البلاد، وفقًا لمسؤولين عسكريين، فإن تأمين البنية التحتية النفطية السورية لمنع سقوطها في أيدي داعش كانت مهمة الولايات المتحدة والتي تمكنت من إنجازها لبعض الوقت.
وعلى الرغم من وجود القوات الحكومية والقوات الروسية اللاهثة للسيطرة على المنطقة، فإن الحكومة الأمريكية لن تقول صراحةً أنها ستقدم المساعدة للمقاولين الأمريكيين إذا تعرضوا للهجوم.
في الأسبوع الماضي، قال جراهام إنه تحدث مع مظلوم بشأن توقيع العقد. ولم يرد مسؤولون من قوات سوريا الديمقراطية على طلب CNN للتعليق.
وقال تقرير حديث لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن مسؤولي التحالف يعتقدون أنه بدون مثل هذا الاستقرار الاقتصادي، فإن الجنرال مظلوم ورئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد من المرجح أن يقدموا تنازلات مالية لروسيا – التي تضغط من أجل الوصول إلى حقول النفط شرق سوريا – في مقابل صفقة سياسية للإدارة التي يقودها الكرد في شمال شرق سوريا مع الحكومة السورية.
التعليقات مغلقة.