رسالة أردوغان لماكرون عبر البارزاني: سننفذ من أربيل إذا أغلقتم أمامنا طريق بغداد
نورث بالس
عدوي الحميم
لم يمض سوى أقل من ثمانية وسبعين ساعة على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بغداد، حتى “استدعت” أنقرة رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان البارزاني لزيارتها على عجل في رسالة واضحة إلى فرنسا التي دخلت في تنافس حادّ مع تركيا على النفوذ اتّخذ شكل السباق في منطقة شاسعة تمتدّ من ليبيا غربا إلى شرق البحر المتوسّط ولبنان وصولا إلى العراق.
واستقبل البارزاني في ثاني زيارة له إلى تركيا منذ توليه رئاسة الإقليم خلفا لعمّه مسعود الذي تنحّى من المنصب في 2017، من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في لقاء “مغلق استغرق نحو ساعة و15 دقيقة”، بحسب وكالة الأناضول التركية.
كما كانت لرئيس إقليم كردستان العراق، أيضا، محادثات مع وزير خارجية تركيا مولود جاووشأوغلو تناولت “تطوير العلاقات الثنائية وخاصة الاقتصادية”، وأكد الجانبان خلالها “إيلاء اهتمام أكبر بالتبادل التجاري بين الطرفين”، وفقا لبيان لرئاسة الإقليم.
كما بحث الجانبان حسب البيان ذاته انتشار فايروس كورونا وتأثيراته وتداعياته، وبالأخص على الجانب الاقتصادي، حيث أبدى الوزير التركي “استعداد بلاده لمساعدة إقليم كردستان العراق من خلال إرسال مستلزمات طبية لمواجهة الفايروس”.
ورأى مراقبون أن تركيا أرادت باستقبالها البارزاني الذي كان بدوره قد التقى ماكرون في بغداد توجيه رسالة إلى فرنسا مفادها أنّ لها في العراق حلفاء يضمنون لها موطئ قدم في البلد في حال انحازت قيادة الدولة المركزية إلى باريس ووسّعت من دائرة التعاون السياسي والاقتصادي والأمني معها على حساب المصالح التركية هناك.
أما من الجانب الكردي، فلم تكن مشاعر القيادة الكردية العراقية تخلو من غضب تجاه الحكومة المركزية التي سلّطت عليها خلال الفترة الماضية ضغوطا مالية شديدة حيث رفضت تسليمها حصّة الإقليم من الموازنة الاتحادية بسبب عدم إيفائها بالتزاماتها وعلى رأسها تسليم عوائد النفط التي تتولى حكومة أربيل بيعها خارج نطاق شركة سومو العراقية المختصة بتسويق النفط.
بل إن الغضب الكردي لم يكن ليستثني فرنسا ذاتها بسبب إحجام ماكرون عن تخصيص زيارة للإقليم على غرار ما يفعله أغلب المسؤولين الدوليين عند قيامهم بزيارة العراق، وذلك على الرغم من أنّ فرنسا داعم تقليدي كبير لكرد العراق.
وبذلك يكون التحسّس التركي من الدور الفرنسي في العراق قد التقى مع الغضب الكردي من بغداد وباريس ليصنعا مصلحة ظرفية بين الطرفين.
وكان ماكرون قد أثار بمناسبة زيارته لبغداد موضوع حماية سيادة العراق على أراضيه، معلنا عن نيّته “تدشين مبادرة مع الأمم المتحدة لدعم سيادة البلد”، مضيفا أن “القتال من أجل السيادة أمر ضروري”، وأنّ “العراقيين الذين عانوا طويلا يستحقون أن تكون أمامهم خيارات وسط هيمنة قوى إقليمية والتشدد الإسلامي”.
ومؤخّرا شكّل انتهاك تركيا لسيادة العراق من خلال توسيع نطاق عملياتها العسكرية داخل أراضيه بذريعةمحاربة حزب العمال الكردستاني، مشغلا للدبلوماسية العراقية التي أدانت تلك العمليات وطالبت أنقرة بإنهائها، دون جدوى.
وما ضاعف من حساسية تركيا من زيارة ماكرون لبغداد أنّها جاءت في إطار حراك فرنسي كثيف باتجاه العراق أظهر مدى اهتمام باريس باستعادة نفوذها في البلد والذي كان قائما قبل سقوط نظام حزب البعث على يد الأميركيين وحلفائهم.
وجاء هذا الحراك في وقت كانت تركيا تطمح فيه إلى توسيع دائرة مصالحها الاقتصادية والتجارية مع العراق نظرا لاتساع سوقه الاستهلاكية، والآفاق الكبيرة التي تتيحها عملية إعادة إعمار المناطق المدمّرة من حرب داعش في شمال وغرب العراق وترميم البنى التحتية المهترئة في عموم البلاد.
وسبقت زيارة ماكرون تلك زيارة مماثلة إلى العراق قام بها منتصف يوليو الماضي وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، ثمّ وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي أواخر شهر أغسطس.
وجاءت زيارة البارزاني لأنقرة في وقت حسّاس مكرّسة العلاقة الملتبسة بين تركيا وكرد العراق، حيث لا تزال القوات التركية تنفّذ عملية عسكرية واسعة النطاق في أراضي كردستان العراق لمطاردة مقاتلي حزب العمّال الكردستاني دون تنسيق مع الحكومة المركزية العراقية وحكومة الإقليم واللّتين احتجّتا بشدّة على العملية خصوصا أنّها أوقعت ضحايا مدنيين وعسكريين عراقيين.
ووصف النائب الكردي في البرلمان العراقي هوشيار عبدالله زيارة البارزاني لتركيا بأنّها “استهانة بمشاعر ذوي ضحايا القصف التركي”.
وقال في بيان أصدره تعليقا على الزيارة “على نيجرفان البارزاني أن يعلن للرأي العام سبب هذه الزيارة الشخصية، خاصة بعد زيارة ماكرون لبغداد والتحدث عن التدخلات العسكرية وخرق السيادة العراقية من قبل تركيا”، مضيفا “هذه الزيارة التي رافقه فيها فقط أعضاء من حزبه (الديمقراطي الكردستاني) والتي حصلت بشكل مفاجئ دون إعلان مسبق، من الممكن أن تحمل عدة تفسيرات، لذلك مطلوب من رئيس الإقليم توضيح أسبابها وتفاصيلها”.
وتألف الوفد الذي قاده نيجرفان البارزاني في زيارته إلى تركيا من رئيس ديوان رئاسة الإقليم فوزي حريري، ومدير مكتب الرئيس كريم شنكالي، ومسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حكومة الإقليم سفين دزيي ومستشار الرئيس فلاح مصطفى.
وكان البارزاني قد زار في الثاني من سبتمبر الجاري بغداد، حيث عقد لقاءات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وعدد من المسؤولين وقادة الأحزاب العراقيين.
ويقول معارضون لسياسات آل البارزاني إنّ النظرة التركية لكرد العراق لا تخرج عن النظرة العامة لكرد المنطقة ككلّ سواء في الداخل التركي أو في سوريا وإيران، وهي نظرة محكومة بالدوافع القومية الشوفينية التي ازدادت حدّة في عهد حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان.
ولا يتردّد هؤلاء في المطالبة بتصنيف تركيا كعدّو صريح بالنظر إلى مواقفها وإجراءاتها ضدّ الاستفتاء على استقلال كردستان العراق سنة 2016 والذي شاركت أنقرة بفعالية شديدة، إلى جانب بغداد وطهران في إحباطه وإلغاء نتائجه. كما يستندون في مطالبتهم تلك إلى المواقف التركية الصريحة والمعلنة في الوقوف ضدّ كرد العراق في صراعهم على ما يعرف بالمناطق المتنازع عليها، حيث لا تتردّد تركيا في التصريح بأنّ منطقة مثل كركوك الغنية بالنفط في شمال العراق ليست كردية، مكرّرة التأكيد في كل مرّة على حقوق التركمان فيها.
ورغم الحرص الشديد من قبل تركيا على ألا يكون للكرد أي كيان في المنطقة من شأنه أن يغذي طموحاتهم في تأسيس دولة قومية لهم، إلاّ أنّها لم تجد بدّا من التعامل مع إقليمهم شبه المستقل في شمال العراق، والذي فرضته قوى دولية على رأسها الولايات المتّحدة، كأمر واقع، لكنّه تعامل على أساس تطويق الإقليم والتحكّم بقياداته واستخدامه كأداة عندما تقتضي الضرورات الأمنية والسياسية، وحتى الاقتصادية ذلك.
المصدر: صحيفة العرب
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.