نورث بالس
في تحقيق مطول نشرته مجلة «لوبوان» الفرنسية، رصد شبه كامل للمساعي الجارية لملاحقة مجرمي الحرب في سوريا الموجودين على الأراضي الأوروبية الذين يقدر المحامي السوري “أنور البني” اللاجئ في ألمانيا عددهم بألف.
ويفيد التقرير بأن ما لا يقل عن 80 دعوى أقيمت حتى اليوم في العديد من الدول الأوروبية بينها 11 محاكمة جارية حاليا، منها 4 في فرنسا و3 في ألمانيا وواحدة في كل من السويد والنمسا وهولندا والنرويج. ويضيف البني أن هولندا وإسبانيا تبحثان في الأمر. وما تحقق حتى اليوم هو ثمرة جهود مبذولة منذ سنوات عدة منها ما قام به «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» الذي يديره في باريس المعارض “مازن درويش”. و«الأرشيف السوري» المتخصص بتوثيق جرائم الحرب الذي أسسه المنشق “هادي الخطيب” في برلين بمساعدة ناشطين سوريين. ويقول “الخطيب” عن هذا المركز إن هدفه الأساسي هو «المحافظة على الأدلة التي توثق جرائم الحرب وتشكيل الذاكرة الرقمية للأحداث» التي جرت في سوريا منذ العام 2011.
وبعد أن بدأ “الخطيب” عمله منفردا، تكثف العمل وتوسع وتحولت الخلية الى بنية سميت «منيمونيك» Mnemonic والتي يساهم في عملها عشرون شخصاً. ومما قامت به جمع ما لا يقل عن ألف تسجيل فيديو تم تحليلها والتأكد من صحتها لمراكمة الأدلة على انتهاكات القوات الحكومية والأطراف الأخرى الضالعة فيها. ويؤكد “الخطيب” للمجلة الفرنسية أن ما يسعى إليه هو تحقيق العدالة و«التأكد أن أياً من المجرمين لن يفلت من العقاب». وما يسهل مساعي ملاحقة مجرمي الحرب أن عدداً من البلدان الأوروبية تتبنى ما يسمى «العدالة العالمية» التي تتيح محاكمة شخص ما وإن لم يرتكب جريمته على أراضي الدولة المعنية. ويضاف إلى ما سبق إنشاء لجان متخصصة مثلا حول الجرائم التي ارتكبت ضد الإيزيديين.
يعد الصحافيان اللذان أعدا التقرير أن محاكمة العقيد في الجيش السوري أنور رسلان فتحت كوة للأمل في أن تجد العدالة طريقها لمحاكمة المسؤولين في الحكومة السورية عن الجرائم التي ارتكبوها. ذلك أن العقيد المذكور كان ضابط استخبارات ومسؤولاً عن الوحدة 251 لأمن الدولة ما بين العامين 2011 و2012، وهو متهم بتعذيب أكثر من 4000 معتقل بينهم 58 توفّوا في السجن. ورسلان هرب من سوريا الى برلين في سبتمبر/ أيلول 2012. إلا أنه تم التعرف إليه في العاصمة الألمانية من قبل ضحاياه وأُلقي القبض عليه في العام 2019 بالتعاون بين ألمانيا وفرنسا. وتقدم 17 مدعياً بشكاوى بحقه ما فتح الباب لمحاكمته ومحاكمة أحد أعوانه المدعو فيصل الغريب في مدينة كوبلانس الواقعة غرب ألمانيا. وينتظر أن يصدر الحكم بحقه في 13 يناير/ كانون الثاني المقبل، علماً أن الادعاء طلب السجن مدى الحياة للمتهم.
يقول المحامي أنور البني الذي كان وراء الدعاوى ويؤكد أنه من تعرف على أنور رسلان في أحد محلات العاصمة الألمانية لأنه كان من ضحاياه، إن «هذه المحاكمة هي للتاريخ. ولأن المحكمة تتحدث عن جرائم ضد الإنسانية ولن يكون هناك مجال للمجرمين أن يفلتوا من العدالة».
ويورد تقرير المجلة الفرنسية أن “البني” هرب من سوريا عبر لبنان في العام 2014 واستقر في برلين حيث بدأ عملية تجميع الوثائق عن الوحدات 215، 227، 235، 251 وغيرها من الوحدات الضالعة في عمليات القمع والتعذيب.
وتبدو ألمانيا الأكثر تقدماً في المحاكمات التي تشمل مسؤولين في الحكومة السورية والتنظيمات المتطرفة. ففي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت محكمة فرانكفورت العليا حكماً صارماً بحق العراقي “طه الجملي” البالغ من العمر 29 عاماً لارتكابه «جريمة إبادة وجريمة ضدَّ الإنسانية أدّت الى الوفاة، وجريمة حرب». وجريمة هذا الرجل أنَّه «اشترى» فتاة إيزيديّة عمرها خمس سنوات ثم تركها تموت لاحقاً من العطش. و”الجملي” تم توقيفه في اليونان ومنها استردته ألمانيا التي تلجأ الى «الأهلية العالمية» التي تتيح لها محاكمة أي شخص في العالم متّهم بارتكاب جرائم.
يؤكد تقرير «لوبوان» أن ثلثي الدعاوى المقامة في أوروبا تستهدف مسؤولين حكوميين والثلث الأخير داعش» والمعارضة السورية. ويؤكد البني أن جل ما هو مطلوب «تحقيق العدالة بغض النظر عن الإثنية أو الدين أو التوجه السياسي إذ المطلوب معاقبة كل المجرمين من دون استثناء». ويروي التقرير قصة السوري المدعو “مجدي نيما” الذي كان الناطق السابق باسم مجموعة «جيش الإسلام» وهو متهم بارتكاب جرائم حرب والمشاركة في عمليات إعدام وتعذيب. والأمر المحير أن هذا الشخص الذي نجح في الانتساب الى مجموعة علمية في إسطنبول، وصل الى مدينة مرسيليا المتوسطية بفضل دعوة من جامعة إيكس أو بروفانس في جنوب فرنسا. إلا أن سوريين تعرفوا عليه مما أدى الى توقيفه وما زال محتجزا حتى اليوم بانتظار محاكمته.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.