ما علاقة الإخوان بمساندة “أبو عمشة” وتبرئته؟
نورث بالس
يواجه محمد الجاسم الملقب بـ”أبو عمشة”، أحد أبرز قادة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وهو قائد لـ”فرقة السلطان سليمان شاه العمشات”، تهماً قضائية وعسكرية من فصائل في “الجيش الوطني” تسعى لملاحقة انتهاكات فصيله.
ويترافق اسم القيادي غالباً مع مواضيع وقضايا مثيرة للجدل، ووُضعت العديد من إشارات الاستفهام حوله، بعد مشاركته في عدة قضايا دولية ومحلية، تزامنت مع اتهامات بانتهاكات عديدة.
لم يقتصر عمل “أبو عمشة” ونفوذه على الجانب العسكري في الداخل السوري فقط، إنما تخطى الحدود، كالمشاركة في عمليات عسكرية، وكفالة أشخاص مهددين بالمغادرة من دول أخرى.
في نيسان 2021، قال “أبو عمشة” إنه سيتكفل بـ”خنساء حوران” منذ لحظة وصولها إلى تركيا، بعد أنباء عن تهديدها بضرورة مغادرة الأراضي الأردنية.
وفي آذار، وزّع “أبو عمشة” المواد الإغاثية على سكان في الكاميرون، التي تتوسط القارة الإفريقية.
كما شارك عناصر من الفصيل الذي يترأسه “أبو عمشة” في الأعمال القتالية بأذربيجان، برفقة فصائل أخرى تتبع لـ”الجيش الوطني”، وفقاً لتعليمات وأوامر من أنقرة.
كما شارك مقاتلون يتبعون للفصيل في الأعمال العسكرية التي دارت في ليبيا دعماً لحكومة “الوفاق” الإخوانية، ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم روسياً، إلى جانب وحدات من الجيش التركي.
أثارت قضية انتهاكات “فرقة السلطان سليمان شاه”، بقيادة “أبو عمشة”، جدلاً واسعاً في أوساط السوريين، وفي صفوف الفصائل المعارضة.
ووُجهت العديد من الاتهامات إلى “أبو عمشة” وعناصر من فرقته في منطقة شيخ الحديد بعفرين، تتعلق بجمع إتاوات وزيت الزيتون من المزارعين باسم “أبو عمشة”، ومقاسمة الناس محاصيلهم والاستيلاء على الأراضي، وانتهاكات متعددة للحقوق من قضايا اغتصاب واتهامات باطلة لأشخاص، لدفع مبالغ مقابل الحصول على البراءة.
هذه الاتهامات تبنّتها غرفة القيادة الموحدة (عزم) التي فتحت ملف انتهاكات ودعاوى بحق الفصيل، لملاحقة تجاوزاته بحق المدنيين في منطقة شيخ الحديد بريف عفرين، وهو ما خلق توتراً ملحوظاً بين الجانبين.
رصدت عدة وسائل إعلامية تسجيلات مصوّرة لمقربين من “أبو عمشة” وعناصر من فرقته، تحدثوا من خلالها عن سلسلة من الانتهاكات بحق المدنيين.
وفي تسجيل مصوّر لشخص اسمه “محمد عمار العمر”، عرّف عن نفسه على أنه نسيب “أبو عمشة”، تحدث خلاله عن انتهاكات تتعلق بعمليات ابتزاز وخطف وبيع للسلاح واتّجار بالمخدرات نفذها “أبو عمشة” وفصيله، ولم تقتصر الانتهاكات على الأراضي السورية، إنما امتدت إلى الأراضي الليبية، بحسب التسجيل.
وتحدث تسجيل مصوّر للشاب عن سجن الأخير لأقربائه وتعذيبهم وإرغامهم على الحلف الكاذب والاعتراف بأشياء غير حقيقية.
وتحدث عن سرقة “أبو عمشة” للمعصرة التي تقع قرب سكة القطار في قطاع “محمد الفاتح” بعفرين، عن طريق إرسال عناصره إليها، وإلقاء القبض على العاملين داخلها بحجة أنهم من “حزب العمال الكردستاني PKK”.
وأوضح الشاب أنه على استعداد لتقديم الأدلة التي تدين “أبو عمشة” والأسماء التي عمل معها، ولا سيما شقيقه الذي كلّفه بالسرقة مع مجموعة آخرين.
كما رصد تسجيل مصوّر آخر لأحد عناصر “أبو عمشة”، اتهم قيادات عسكرية في فصيله بانتهاك حرمات المنازل، واغتصاب النساء، مطالباً بمحاسبة عادلة للمنتهكين، ليخرج بعدها العنصر نفسه بتسجيل آخر ينفي كلامه السابق.
ومع فتح غرفة “عزم” ملف المحاسبة، وهي المسؤولة عن “محاسبة واستهداف الشبكات والخلايا التي تهدد أمن المجتمع”، أعلنت “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) إقالة شقيقي قائد الفرقة، “أبو عمشة”، من مناصبهما العسكرية في الفرقة.
وفي 25 ديسمبر كانون الأول 2021، عُزل المسؤول والقائد في المكتب العسكري، الملقب بـ”أبو سراج”، ورئيس المكتب الأمني، سيف الجاسم، في بيان رسمي أصدرته “فرقة السلطان سليمان شاه” المنضوية في “حركة ثائرون”.
وكُلّف المقدم “عمر الملحم” برئاسة المجلس العسكري، والرائد “حسان نقرش” برئاسة المكتب الأمني، في الفرقة.
وعزا قائد الفرقة، “محمد الجاسم”، قرار الإقالة، إلى أنه يدعم عمل لجنة تقصي الحقائق، ويدعم تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين، بغض النظر عن سلطتهم العسكرية.
ظهر اسم المفتي المنتخَب من قبل “المجلس الإسلامي السوري”، الشيخ أسامة الرفاعي، في القضية، عبر تسجيل صوتي تناقلته مواقع وصفحات في وسائل التواصل الاجتماعي، تحدث فيه عن تشكيل لجنة للتحقيق في الانتهاكات.
وجاء في التسجيل أن قائد “حركة ثائرون”، فهيم عيسى، وقائد “الفيلق الثالث” في “الجيش الوطني”، “أبو أحمد نور”، وقائد “فرقة السلطان سليمان شاه”، محمد الجاسم (أبو عمشة)، هم من أشرفوا على تشكيل اللجنة.
واتفقت هذه الأسماء الثلاثة على تشكيل لجنة للتحكيم وأخذ الإفادات وكلام الشهود، ودراسة الملف، بحسب كلام المفتي، وهذا ما أثار استياء من ناشطين اعترضوا على وجود “أبو عمشة” ضمن الأشخاص المشرفين على تشكيل اللجنة.
ودعا الشيخ الرفاعي في التسجيل إلى عدم التحريض خلال عمل اللجنة، حقناً للدماء، وأكد الرفاعي إرساله دعوات إلى عدة أشخاص من الداخل السوري لإنهاء حملة التهديدات والتحريض، حتى انتهاء التحقيق وانتظار النتائج، للمساعدة في إنهاء المشكلات وتحقيق العدالة.
ويرى مراقبون أن اللجنة التي شكلتها حركة الإخوان المسلمين ويشرف عليها القيادي فيها “أسامة الرفاعي” الذي يعتبر نفسه “مفتياً”، إنما هي للتغطية على جرائم “أبو عمشه” والتي قد تطال حركة الإخوان أيضاً، فهناك بعض القيادات الإخوانية مثل “علي محمد سينو” بررت انتهاكات “أبو عمشه” وبأنه فاعل خير ويسعى إلى إرساء الأمن والاستقرار في شيخ الحديد.
في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021، خرجت مظاهرة في منطقة شيخ الحديد، ضمت وجهاء وشيوخ عشائر من المنطقة، طالبوا بتوحيد الصف والكلمة، وتفعيل المؤسسات الثورية، وتوجيه البندقية نحو الحكومة السورية وحلفائها، ليعقب هذه المظاهرة خروج مسيرة تأييد لـ”أبو عمشة”.
وتضمّنت المسيرة رتلًا ضم عشرات السيارات، وتخللها تشغيل أغاني مديح للقيادي، في خطوة فُسّرت بأنها ضغط على لجنة التحقيق، ومسار العدالة في القضية، ومناصرة في قضية الانتهاكات الموجهة ضد محمد الجاسم وضد عناصر من فرقته.
وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها مظاهر التبجيل والمديح تجاه “أبو عمشة”، إذ ظهرت سابقاً في عدد من التسجيلات المصوّرة، مثل أغنية “أبو عمشة يهز الأرض وكل الكرة الأرضية”، أو الأغنية التي تتحدث عن مواجهة “أبو عمشة” للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
وكان “أبو عمشة” قال سابقًا، إنها تصرفات “نابعة من عادات المجتمع العشائري لا يمكن لنا أن نمنعها”.
وأصدر “أبو عمشة”، في آب 2020، قراراً يقضي بمنع تبجيله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وجاء في البيان أن القيادي منع “الترويج ونشر صور، أو مقاطع فيديو تبجيل أو مدح لقائد الفرقة أو قادتها من الصف الثاني ومن دونهم بشكل عام”، الأمر الذي لقي ردود فعل ساخرة على موقع “تويتر”.
ليست المرة الأولى التي توجّه فيها اتهامات ضد “أبو عمشة”، ففي عام 2019، مع استقرار “الجيش الوطني” في مناطق شمالي حلب وفي عفرين تحديداً تحت المظلة التركية، شُكّلت لجنة من قبل “الجيش الوطني” لمحاسبة “أبو عمشة” بتهمة تحرش واغتصاب، بعد انتشار تسجيل مصوّر على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فتاة تتحدث عن اغتصاب “أبو عمشة” لها، مع العلم أن زوجها يعمل مقاتلاً في الفصيل الذي يقوده “أبو عمشة”.
وعادت بعدها الفتاة ذاتها لتنشر تسجيلاً آخر تتحدث فيه عن إغرائها بالمال من أجل تصوير التسجيل الأول، وابتزاز “أبو عمشة” بتهمة الاغتصاب. وجرى بعدها إغلاق التحقيقات وتبرئته من التهم الموجهة إليه.
“أبو عمشة” من مواليد عام 1987، وينحدر من قرية “جوصة” التابعة لمنطقة “حيالين” بريف حماة الشمالي، عمل سائقاً لجرارات الحراثة (تركتور) والحصادات الزراعية قبل اندلاع الثورة السورية.
ومع بداية تحوّل مسار الثورة إلى السلاح، شكّل مجموعة ضمّت عدداً قليلاً من المقاتلين تحت اسم “مجموعة خط النار”، التي انضمت لاحقاً إلى “كتيبة شهداء حيالين”.
وفي عام 2013، انفصلت عن الكتيبة التي انضمت إليها سابقاً، وبدأ مقاتلوها العمل ضمن صفوف “جبهة ثوار سوريا” التي كان يقودها جمال معروف في تلك الفترة، بحسب مصدر مقرب من “أبو عمشة”، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية.
وبعد الخلاف بين جمال معروف و”جبهة النصرة”، التي كانت تنضوي تحت راية تنظيم “القاعدة” آنذاك، هرب “أبو عمشة” إلى شمالي حلب، وعمل هناك قائد مجموعة عسكرية تابعة لـ”الجبهة الشامية”.
ومع إعلان تركيا عن انطلاق معركة “غصن الزيتون” (في عفرين) عام 2018، انضم إلى “فرقة السلطان مراد” كقائد مجموعة أيضاً، وبقي فيها حتى شكّل “لواء السلطان سليمان شاه” الذي انضم إلى “الجيش الوطني” لاحقاً.
وبعد سيطرة “الجيش الوطني” على مدن وقرى عديدة شمالي حلب وتوسع رقعة نفوذه، بدأ الجاسم يظهر بشكل مختلف، بسيارات مصفحة، ومرافقة مسلحة، وهوية مختلفة.
وبينما يدّعي “أبو عمشة” أنه تركماني سوري، قال مصدر من حماة، إن “أبو عمشة” ينحدر من قبيلة النعيم في ريف حماه الشمالي الغربي (سهل الغاب).
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.