NORTH PULSE NETWORK NPN

يرسم قرى ومناطق عفرين لتبقى راسخة في ذاكرة الأجيال

نورث بالس

يرسم مواطن عفريني، مُهجّر إلى مناطق الشهباء بريف حلب الشمالي، صوراً ولوحات لقرى مناطق عفرين التي هجروا منها بعد العدوان التركي عليها في 18 مارس/ آذار 2018. ويسعى من خلال رسوماته المتنوعة قتل الملل لديه وممارسة هوايته المفضلة، إضافة لبقاء قرى ومناطق عفرين في ذاكرة الأجيال القادمة.

فبعد نزوح أهالي عفرين قسراً من قراهم صوب مناطق الشهباء إثر هجمات وقصف الدّولة التركيّة والفصائل المسلحة التابعة لها، عاش العفرينيون، ولأول مرة، حياة النزوح والتشرد، ما جعلهم في أوضاع مأساوية ونفسية سيئة. إلا أنهم سرعان ما قلبوا حياة النزوح إصراراً على العودة إلى عفرين والتعلق بأراضيها وزيتونها، لينطلقوا بكل شغف نحو الاستعداد لمرحلة العودة، وهذا لسان حال كل العفرينيين.

الشاب “إبراهيم بريم” من أهالي قرية “حجيكا التحتانية” التابعة لناحية راجو، تحدث عن ارتباطه بعفرين قائلاً: “كنت أعمل بين أرضي وممتلكاتي بعفرين، وبعد شن تركيا عدوانها على مناطقنا، ومع الأسف العالم ساند الاحتلال التركي ووضعنا في واجهة هجمات ومدافع تركيّا، فهُجّرنا قسراً لمناطق الشهباء وأقطن الآن في ناحية تل رفعت”.

ثم أضاف “في بداية نزوحنا ووصولنا إلى مناطق الشهباء، كنا مثل العميان، ونحن أهالي عفرين لم نتعرض ما تعرضت له مناطق أخرى من سوريا من كوارث وويلات، لكن الاحتلال التركي ارتكب كل الفظائع بحقنا بعفرين، ولا يزال”.

وتابع القول: “يوماً بعد آخر استطعنا التأقلم مع ذاتنا بإنشاء المخيمات وافتتاح الكومينات، لم يكون أمامي شيء أفعله وكنت أشعر بالملل في المنزل، إلا أنني ومنذ صغري وفي أيام الخدمة العسكرية الإلزامية كانت هوايتي الرسم”.

وواصل “إبراهيم” القول: “هنا بدأت أرسم مواقع وجغرافية مقاطعة عفرين وقراها مع ذكر أسمائها. فلا أزال أمارس هذا العمل منذ عامين ونصف في مناطق الشهباء، واللوحات هي مشاهد تخيلية من ذاكرتي. هذه الخطوة تؤثر على نفسيتي وتقتل الملل لدي، كما أنها تحافظ على بقاء قرانا ومناطقنا في ذاكرة الأجيال القادمة، لتظل حية في ذاكرتهم وضميرهم”.

وعن اللوحات التي رسمها ذكر إبراهيم “رسمت مركز مدينة عفرين، ناحيتي راجو وشيه، قرية حاج حسنو، وادي النشاب (Gelyê Tîran)، جبال بطمان، وكفري كار/ الصخرة الصماء” وقرى أخرى تقع حول ناحية راجو، هذه القرى التي أرسمها باقية في ذاكراتي ومررت بها جميعاً ولازالت أحفظ تفاصيل طبيعتها، عمري 65 عاماً ولا أزال أقرأ الكتب والتّاريخ لأتعرف على تاريخ وطني وما جرى عليه من مؤامرات وكذلك الثورات التي اندلعت ضد الاحتلال، وأسعى لنقل تجربتي هذه إلى غيري أيضاَ، ولا أتمنى أن تكون حكراً علي وحدي”.

وخلال حديثه نوه إلى أنه رسم قريته “هذه قرية حجيكا، وهذا منزلي حينما كنا هناك، وتلك قرية “قدا” وهنا طريق ناحية راجو وطبيعتها، وهذه قرية علتانيا، وبليلكو، علبيسكي، والطريق إلى قرى ميدانا”.

وتابع إبراهيم “في قرية حجيكا رسمت بئر القرية وشجرة كبيرة فيها يبلغ عمرها أكثر من 250 عاماً، وهذا الموقع فوق القرية حينما قصفت تركيا القرية في أول يوم من الهجوم التركي بطائرات الحربية، وهذا موقع قرية شيه، هذه قرية حاج حسنو وهذا وادي النشاب وطريق راجو الواصل له وخط القطار الذي يمر بجانب الطريق الإسفلتي، تلك المنطقة شهدت حروباً عديدة على مدى التاريخ، مثلما يتحدث عنها الرواة والمؤرخون”.

كما عكس “إبراهيم” خلال رسوماته المعاناة التي واجهها أهالي عفرين إبان هجمات تركيا على مناطقهم، وقال: “رسمت أيضاً الحصار الذي فرض على أهالي عفرين داخل المدينة، مع استمرار القصف علينا بالمدافع والدبابات والطائرات الحربيّة التركية. ليتم إخراجنا منها في ليلة سوداء وتحت الأمطار الغزيرة، فتركنا عفرين وراءنا لنسلك طريق جبل الأحلام وصولاً إلى مناطق الشهباء، تلك الرحلة الشاقة والتراجيدية استغرقت ثلاثة متواصلة، فمنهم خرج بسيارته وآخرين سيراً على الأقدام هرباً من القصف التركي”.

وأنهى “إبراهيم” حديثه بالإشارة إلى أنه “رغماً عن عمري الكبير؛ فإنني أتعب دماغي في التفكير، وهذا يؤثر على بصري أيضاً، لكنني أواصل هذه الهواية بشغف، لأن تراب الوطن غالٍ وفقدانه صعب جداً بالنسبة لي، وحينما كنت صغيراً ونحن نرعى الأغنام مع أقراني في الجبال وأراضي عفرين؛ كنت أنقش خريطة كردستان على الأحجار، لتبقى خالدة ولا يمحوها الزمن”.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.