نورث بالس
كشفت تسريبات مصرفية لبنك سويسري يدعى “كريدي سويس” عن تفاصيل ثروة نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام التي جمعها وأرسلها إلى سويسرا أثناء تقلده مناصب حكومية، وكذلك عن امتلاك رجل الأعمال السوري محمد مخلوف، حساباً في هذا البنك الذي يعتبر ثاني أكبر بنوك سويسرا وأغناها.
وعلى مدى السنوات التي كان فيها حساب “كريدي سويس” الخاص به مفتوحاً، تمكن نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، بحسب ما كشفه موقع “تايمز لايف” الجنوب أفريقي، من جمع عشرات الملايين من الدولارات، من النقد وأسهم الشركات والقصور الفخمة، وهي ثروة مذهلة لموظف عمومي.
وتؤكد تفاصيل حساب “كريدي سويس”، الذي يمتلكه خدام بالاشتراك مع زوجته وأبنائه الثلاثة، أن الأسرة راكمت بالفعل ثروة كبيرة عندما كان خدام في منصبه. وتم فتح الحساب في عام 1994، ووصل إلى أعلى رصيد له بما يقرب من 90 مليون فرنك سويسري في أيلول/سبتمبر 2003.
وتوفي خدام عام 2020. ولم يستجب أبناؤه للمكالمات الهاتفية أو الطلبات المتكررة المرسلة عبر البريد الإلكتروني والرسائل النصية، بشأن حقيقة هذه الثروة. كما لم يعلق بنك “كريدي سويس” على حساب عائلة خدام، لكنه قال إنه يلتزم بالسياسات واللوائح ذات الصلة.
وتولى خدام مناصب حكومية في سوريا رفيعة المستوى من 1970 إلى 2005، أولاً كوزير للخارجية، ثم نائب الرئيس في عهد حافظ الأسد. وصعد إلى الصدارة في 1980 خلال الحرب الأهلية في لبنان المجاورة.
وسعياً إلى رعاية سياسيين لبنانيين موالين لدمشق، أقام خدام صداقة مع رجل الأعمال الثري رفيق الحريري، لدعم ترشحه الناجح لرئاسة وزراء لبنان في عام 1992. وكان الحريري معروفاً بتوطيد علاقاته بالمال، ولم تكن صداقته مع خدام استثناء.
وقال مسؤول سوري رفيع المستوى سابقاً، إن خدام “سيطر على لبنان من خلال الحريري”، الذي بدوره قدم له حسنات. واستذكر هذا المسؤول لقاءه خدام في دمشق، حيث كان خدام “يعيش حياة أسطورية”. وقال المسؤول السابق إن خدام اشتهر بمستوى من الفساد كان واضحاً للغاية لدرجة أنه “لا يحتاج إلى وثائق” ليتم إثباته.
وفي العام التالي، انشق خدام عن حكومة دمشق بقيادة رئيسها الحالي بشار الأسد، وهرب إلى باريس. ورداً على ذلك، بدأ المسؤولون السوريون في تسريب تفاصيل تعاملاته السابقة.
وفي إيجاز مع الصحفيين، قال مسؤولون إن خدام أخذ حوالي 500 مليون دولار من الحريري على مدى عقدين، بعضها في شكل منازل ويخوت وأموال في حسابات مصرفية فرنسية ولبنانية وسويسرية. كما ذكرت وسائل إعلام سورية أن خدام تلقى رشاوى في الثمانينيات للسماح لفرنسا وألمانيا بدفن النفايات المشعة في الصحراء السورية.
وكان نائب الرئيس السوري السابق واحداً فقط من بين العديد من النخب العربية التي استخدمت سويسرا لتخزين ثرواتها. فلسنوات، جعلت السرية المالية للبنوك في سويسرا، والاستقرار النسبي، منها وجهة شهيرة للأموال المشروعة وغير المشروعة.
وفي هذا السياق قال جاكسون أولدفيلد، الباحث في المنتدى المدني لمجموعة الدعوة لاسترداد الأصول، لـ OCCRP: “إن التصور القائل بأنها كانت ملاذاً آمناً لإخفاء الثروة بطريقة توفر مستويات عالية من السرية جعلها وجهة جذابة للعديد من الأفراد”.
ومن بين العملاء الآخرين للبنك السويسري الـ30 ألف الذين تم تسريب بياناتهم، ورد اسم السوري محمد مخلوف، وهو شقيق زوجة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، الذي عمل كواجهة لصهره لسنوات بينما استفاد من علاقاته السياسية لبناء إمبراطورتيه التجارية والتي شملت التبغ والعقارات والمصارف والنفط
وتوفي محمد مخلوف في عام 2020. وأرسلت مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد “OCCRP” مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، رسائل إلى نجل محمد مخلوف، رامي، عبر حساباته على وسائل التواصل الافتراضي، لكن لم يتلق أي رد.
ويكشف تسريب البيانات المصرفية للبنك السويسري كيف خبأت شخصيات مرتبطة بأنظمة في مصر وليبيا وسوريا والأردن وأماكن أخرى، مئات الملايين في بنك “كريدي سويس” قبل وبعد ما سمي الربيع العربي.
وتشير البيانات المسربة إلى أن “كريدي سويس” لعب دوراً مهماً لسنوات في مساعدة شخصيات بارزة على إخفاء ثرواتهم، حتى عندما تم اتهامهم وحكوماتهم بالمساومة على منطقة بأكملها من خلال الرشوة والاختلاس والمحسوبية، خلال احتجاجات الربيع العربي.
وتم تجميد الأصول المرتبطة بمسؤولين عرب في الأشهر والسنوات التالية لانتفاضة الربيع العربي. لكن المحاسبة الكاملة للأموال المخبأة في الخارج ظلت بعيدة المنال، لا سيما في الولايات القضائية التي تسود فيها السرية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.