تغيرات حكومية.. ولكن ماذا يريد السوريون ؟
“تبديل طرابيش”، جرت العادة ومع كل أزمة معيشية يُعاني منها السوريون، أن تهرع دمشق إلى إجراء تعديلات حكومية، تشمل وزارات تتصل بشكل مباشر بمعيشة السوريين. هي تعديلات يُدرك السوريون بأنها لن تحل أزماتهم، وما يجري لا يعدو عن كونه محاولة للالتفاف على غضب السوريين، وتأطير أزماتهم ضمن تعديلات لا تُحقق لغالبية السوريين أية انفراجة ملموسة، أو تحسّن يطال جزئيات واقعهم المعيشي.
التعديلات الحكومية الحالية وحتى السابقة، لم تنجح في تحقيق تبدلات نوعية على المستويات الاقتصادية والمعيشية، إذ يدرك الجميع أن القضية لا تقتصر على تعديل الأسماء فقط، بل جوهر الأمر يرتكز على تغيير الآليات بشقّيها السياسي والاقتصادي، وكذلك تعديل الاستراتيجيات الحكومية، بما يُحقق مستوى أمان اقتصادي وغذائي يفتقده السوريون. وبين هذا وذاك، فإن كل التعديلات الوزارية التي أجرتها دمشق، ما هي إلا تغيير أسماء الوزراء فقط، دون تغييرات جوهرية في صلب أسس إدارة الأزمات.
قد يهمك: الشباب السوري يدخل نفق الانتحار هرباً من الواقع
حقيقة الأمر، أن السوريين فقدوا الثقة بالحكومة أولاً، ومن ثم سياسة السلطة الحاكمة في دمشق، والمعالجة اليوم لا تقتصر على ترميم الثقة بين الشعب والحكومة، بل تعدى الأمر إلى ترميم الثقة بين الشعب والسلطة السياسية، التي تتخذ قرارات بأطر ضيقة تطال فئات محددة، دون الأخذ بعين الاعتبار أزمات الشعب السوري وهواجسه المعيشية، وما يؤكد ذلك، نبض الشارع السوري، فبعد التعديلات الخجولة التي طالت الحكومة السورية، تم رصد أراء بعض المواطنين في أسواق دمشق، الجميع أتفق أن المطلوب لا يقتصر فقط على تغيير أسماء الوزراء لتداولها إعلامياً فحسب، بل ينبغي أن تُعدل سياسة السلطة في كيفية انتقاء الوزراء، خاصة أن بعض أسماء الوزراء الجُدد ارتبطت بملفات فساد، ما يؤكد أن الإشكالية العميقة اليوم، تُحددها توجهات السلطة الحاكمة في دمشق، وكل التعيينات الجديدة ما هي إلا ذر الرماد في عيون السوريين أولاً، ولإرضاء بعض المتنفذين المرتبطين بالسلطة ثانياً.
آمال السوريين لا تؤطرها تغييرات حكومية هنا وهناك، فالسوريون اليوم يبنون آمالهم على عاصفة تُطيح بالفساد، وتسحب البساط من تحت أقدام مهندسي الأزمات في سوريا. يقول البعض أن الإرث الثقيل الذي يُنقل من وزير إلى آخر، لا يُمكن بأي حال من الأحوال تغييره، فالمسألة برمتها مرتبطة في العمق بسياسة السلطة في دمشق، فالأخيرة دائماً ما تُعلّق أزمات السوريين، على شماعة العقوبات والحصار، لكن الواقع مغاير في الجوهر والمضمون، للصورة التي يُسوقها “أزلام السلطة الحاكمة”، ونتيجة لذلك، فإن أي تعديل حكومي بات لا يهم السوريين، فهم يدركون أن أزماتهم ستزداد، ومعاناتهم ستتعمق، وبات من الضروري أن تُعدّل السياسات بأبعادها كافة من قبل السلطة في دمشق.
ما يؤكد كل المعطيات السابقة، وما تتجاهله السلطة في دمشق، أن مرارة الواقع الاقتصادي والمعيشي الذي يُعاني منه السوريون، وتحديداً في مناطق سيطرة دمشق، دفع الكثيرين إلى اقتحام أبواب الهجرة رغم مخاطرها الجمة، وذلك هرباً من الواقع السيء الذي يؤرق السوريين، وما زال كثير من الشعب السوري، يبحث عن مخرج من مناطق سيطرة دمشق، ولا يبالي البعض ببيع كل ما يملك إن بقي لديه شيء، طمعاً في تجنب المعاناة اليومية، وبحثاً عن حياة كريمة.
قد يهمك: قلق تصاعدي إزاء تزايد نشاط “داعش” مع بداية العام 2023
السلطة في دمشق، يبدو أنها لا تدرك أن 90 بالمئة من السوريين، يرزحون تحت خط الفقر، وما يتجاوز النسبة السابقة في انعدام الأمن الغذائي، والأهم أن الأزمات المركّبة والمعقّدة، التي تُصدرها السلطة في دمشق للسوريين في مناطق سيطرتها، تُنذر بانحدارات قاسية في مستوى معيشة السوريين، ليبقى السؤال الجوهري في كل ما سبق، هل ستتمكن السلطة الحاكمة في دمشق من تعديل أوضاع السوريين المعيشية عبر تغيير حكومي بائس؟، وهل ستتمكن السلطة من تحقيق توازنات اقتصادية تقي السوريين من عواصف الفقر المتزايد؟
وبـ منتهى الصراحة، إن إبعاد وزراء لم يُحققوا شيئاً يطال مستوى معيشة السوريين، لا يُخفي عيوب السلطة في دمشق، وكذا فإن تعدد الشخصيات الوزارية التي تعتمدها السلطة، يطرح تساؤلات عميقة عن الآليات التي تعتمدها دمشق حيال انتقاء الوزراء، لا سيما أن غالبية الوزراء الذين دخلوا دائرة الضوء، ارتبطوا بملفات فساد يُدركها السوريون، وهنا تتعمق تساؤلات السوريين عن السبب في انتقاء دمشق لهذه الشخصيات التي بدا واضحاً أنها لا تتمتع بالخبرة والكفاءة، بقدر ما تتمتع بتاريخ طويل من الفساد والتدرج الوظيفي في مؤسسات الدولة، والأهم، ألا يحقّ للشعب السوري باختيار وزرائه؟، أن السلطة تتعمد إبقاء السوريين في أتون ملهاة الفقر والبحث عن “لُقمة الخبز”.
يا سادة يا كرام، الإشكالية لا تكمن في تعديل وزاري، بقدر ما ترتبط بتغيير نمطية صانع القرار ونظرته لعموم السوريين، بالإضافة إلى تغيير الأشخاص والعقول الحاكمة للسوريين.
عمار المعتوق- دمشق
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.