NORTH PULSE NETWORK NPN

قبول تركيا بالسويد في الناتو مرتبط بدعم اقتصادي غربي… وعضوية الاتحاد الأوروبي خارج السياق

متغيرات متسارعة شهدتها العلاقات التركية-الغربية خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة مع تراجع الرئيس التركي عن موقفه الرافض انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي مقابل انفراجات في العديد من الملفّات التي كانت تقلق أنقرة لناحية اتمام صفقة مقاتلات “اف- 16” الأميركية، والحصار الجزئي الغربي وتحديداً لقطاع الصناعات العسكرية.

بالأمس أعلن الأمين العام لحلف الناتو موافقة أنقرة على عضوية السويد غداة القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، لتتوالى بعدها التصريحات الأميركية والأوروبية المرحّبة بالموقف التركي مع وعود بتذليل العقبات أمام الشراكة التركية-الغربية في قطّاعات الاقتصاد والأمن بشكل خاص.

حركة دبلوماسية مكثّفة بين واشنطن وأنقرة

وشهدت أروقة الدبلوماسية التركية حركة مكثّفة أسفرت عن مصالحة تركية-أطلسية مع احتضان غربي لأنقرة. فقد تحدّت الرئيس التركي مع نظيره الأميركي هاتفياً أثناء توجّه الأخير إلى لندن في طريقه لحضور قمة الناتو في العاصمة الليتوانية.

وبحسب مصدر إعلامي مقرّب من الحكومة التركية تحدّث إلى “النهار العربي” طالبا عدم الكشف عن اسمه، فقد أعرب الرئيس التركي لبايدن خلال المكالمة عن “رضا أنقرة عن الخطوات التي اتّخذتها السويد أخيراً لكنها لا تزال قاصرة عن تلبية تطلعات أنقرة وبأنها تأمل بالمزيد”، مضيفاً: “في المقابل كان رد بايدن بشرح الأهمية التي توليها واشنطن وحلفائها لموضوع انضمام السويد إلى الحلف، وبأن المسائل موضوع الخلاف يمكن حلّها من خلال اللقاء المباشر مع رئيس الوزراء السويدي، واعداً بان تبذل الولايات المتحدة وباقي الحلفاء جهوداً اضافية لدفع السويد لاتخاذ خطوات من شأنها طمأنة تركيا”.

ولطالما اتهمت أنقرة السويد بالتساهل مع المنظمات الكردية المتشددة التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية، ورغم “الإصلاحات” التي أدخلتها استوكهولم على قوانينها، بما فيها سن قانون جديد لمكافحة الإرهاب، إلا أن الاتهامات التركية بالتقصير تواصلت، بالتوازي مع موقفها الصريح الرافض لانضمام الدولة الاسكندينافية الى الناتو، مقابل الغائها لاعتراضها على انضمام جارتها فنلندا التي وجه إليها أردوغان الاتّهامات نفسها في البداية.

وكانت كل من السويد وفنلندا قد تقدّمتا بطلبين للانضمام إلى الناتو بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، لتنضم فنلندا إلى الحلف في نيسان (أبريل) الماضي، بينما علقت السويد بالفيتو التركي.

بالتزامن، فإن الدبلوماسية الهاتفية بين وزير الخارجية التركي ونظيره الأميركي شهدت هي الأخرى نشاطاً كبيراً خلال الأسبوع الممهد لقمة الأطلسي. فقد تحدّث هاكان فيدان مع أنطوني بلينكين في اربع مكالمات هاتفية خلال أقل من أسبوع، ركّزت بشكل أساسي على موضوع انضمام السويد إلى الحلف، وإلى جانبها مواضيع تعزيز التعاون الدفاعي الطويل الأمد بين الولايات المتحدة وتركيا، وتجديد آلية الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية عبر الحدود لسوريا لعام آخر، وعيرها.

السويد الأطلسية مقابل تركيا الأوروبية

وقبل الإعلان عن موافقته، ربط الرئيس التركي قبول عضوية السويد في الحلف بفتح الطريق أمام بلاده للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ليردّ المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض بأنه يدعم رغبة تركيا في أن تصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي، لكن المحادثات حول هذه القضية تتم بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

في حديثه الى “النهار العربي” اعتبر السياسي التركي المستقل، أيدين سيزير شرط أردوغان انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي غير ذي جدوى، شارحاً أن “هذا الطلب لا يمكن تحقيقه تقنيّاً”.

وقال سيزير: “صحيح أن هناك تقاطعات بين الاتحاد الأوروبي والحلف، ولكن ما علاقة كل من بريطانيا وكندا والولايات المتحدة بموضوع انضمام تركيا إلى الاتحاد؟ حتى أردوغان يدرك أنه لا يمكن ربط الموضوعين ببعضهما بعضا، لكن، ربط قبول انضمام السويد بعضوية تركيا في الاتحاد الأوربي هو بمثابة التراجع عن الخطاب التركي السابق والقائم على اتّهام السويد بدعم المنظمات الإرهابية”.

وشهدت العلاقات التركية-الأوربية تراجعاً تدريجياً بدأ في العهد الثاني من رئاسة أردوغان للمجلس الوزاري في بلاده، وتسارعت مع تسلمه الرئاسة.

وقد أدّى هذا التراجع إلى تجميد ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ليتطور لاحقاً إلى صعوبات شتى أمام المواطنين الأتراك في الحصول على الفيزا الأوروبية “شينغن” والتراجع عن توقيع الاتفاقية التجارية والجمركية مع الاتحاد.

ويتوقّع المسؤولون الأتراك أن تؤدّي موافقة أنقرة على انضمام السويد إلى الأطلسي إلى انفراجات في العديد من المواضيع، أهمها تسهيل حصول المواطنين الأتراك على التأشيرة الأوربية “شينغن” بالإضافة إلى إحياء مجموعة إصلاح الاتحاد الأوروبي، التي تتأمل منها أنقرة الموافقة على طلب انضمامها تحقيقاً لهدف توسيع الاتحاد سياسياً واقتصادياً.

الشرط الأساسي يتعلّق بالاقتصاد

رغم كل ما سبق يتوقع سيزير، أن كل ما تم الحديث عنه كشروط لموافقة تركيا على انضمام السويد يمثّل فقط ما يعرض على خشبة المسرح، أما في الكواليس فإن “تركيا تضع في أولويّتها اليوم الحصول على دعم غربي للسياسات الاقتصادية الجديدة التي باشر وزير المالية الجديد محمد شيمشيك إتّباعها لإنقاذ البلاد من انهيار اقتصادي وشيك.

فمع وصول شيمشيك إلى وزارة المالية، شهدت السياسات الاقتصادية التركية تحوّلات جذرية في نواح عديدة. فقد تراجع البنك المركزي التركي عن سياسات الفائدة التي كان يتّبعها طوال السنتين الماضيتين، ليعلن للمرة الأولى عن زيادة أسعار الفائدة السياسية، بعد أن كان يعتبرها الرئيس التركي من الخطوط الحمر “السياسية والدينية”.

بالتزامن، فرضت الحكومة التركية سلسلة كبيرة من الرسوم والضرائب للمرة الاولى في تاريخ البلاد، ما فسّر على أنه أولى الخطوات في سياسات التقشّف وشد الأحزمة التي يؤمن بها الاقتصادي التركي-البريطاني.

ويشرح سيزير أن “موافقة أردوغان على انضمام السويد لا قيمة لها من دون أن تمر غداً على أبعد تقدير فيالبرلمان التركي. وفي حال ارسال أردوغان الملف إلى البرلمان فإن الموافقة مضمونة لأن كتلة المعارضة تؤيد منذ مدة أصلاً موافقة تركيا على القرار، لكن العبرة في توقيت وصول القرار إلى البرلمان”.

ويعتقد سيزير بأن “الإرسال مرتبط الآن بصدور إشارات غربية الى دعم صناديق الائتمان والإقراض الغربية أنقرة للخروج من أزمتها المالية، وإلا فإن قضية انضمام السويد إلى الحلف ستبقى معلّقة وبحجج تقنية وزمنية”.

لقاء أردوغان-بايدن

ويجتمع الرئيس التركي مع نظيره الأميركي مساء اليوم على هامش أعمال قمة شمال الأطلسي التي وصفت بالتاريخية.

ورغم كون ملف انضمام السويد هو الأولوية المطلقة للولايات المتحدة، مقابل أولوية الملف الاقتصادي تركياً، وفق ما بيّنه الدبلوماسي التركي، إلا أن العديد من الملفات الأخرى تعتبر موضوع خلاف متواصل بين الحليفين الأطلسيين، أهمها ملف مقاتلات “اف 16” الأميركية التي تصر تركيا على الحصول عليها.

وفي تصريحات إعلامية أعاد المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميللر تأكيد أن “أعضاء في الكونغرس الأميركي يعتقدون أن قضية بيع الطائرات الأميركية يجب ألا ترتبط بعضوية السويد للناتو”، مع تأكيده دعم الإدارة الأميركية توريد طائرات أف- 16 إلى تركيا.

ويعتقد سيزير أن “أنقرة تدرك أن موضوع بيع المقاتلات مرتبط برفض الكونغرس وتأثير إدارة بايدن على الملف محدود، كما أن هذه الورقة بالأساس هي وسيلة ضغط أميركية، وإلا فإننا نتحدّث عن نسخ قديمة لم تعد تلقى اهتماماً كبيراً” في إشارة إلى الرغبة العالمية باقتناء مقاتلات “اف- 35”.

ويختم سيزير حديثه بالقول: “في كل الأحوال علينا الانتظار إلى ما بعد لقاء أردوغان-بايدن لنرى ما إن كان ملف قبول تركيا عضوية السويد سيصل إلى البرلمان التركي أو لا. فهو الفاصل في كل ما يتم تداوله من صفقات علنية وسرّية”.

المصدر: النهار العربي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.