هل باتت مناطق شمال حلب تابعة لولاية كيليس التركية؟
نورث بالس – لزكين إبراهيم
منذ تدخل تركيا في الشأن السوري وسيطرتها عسكرياً على مناطق شمال سوريا، صدرت الكثير من التقارير التي تتحدث عن نية تركيا اقتطاع تلك المناطق وضمها إلى الأراضي التركية بحجة أنها من الإرث العثماني وفقدتها تركيا في الاتفاق المللي.
ولكن تركيا تدعي بأن لا نية لها في “احتلال الأراضي السورية” وأن تدخلها هو لحماية أمنها القومي وستبقى في سوريا لحين إيجاد حل لأزمتها! و ما يسير على أرض الواقع يشير إلى عكس ادعاءات تركيا تلك.
فتركيا ومنذ تدخلها العسكري المباشر في الأراضي السورية عملت على إدخال المناهج التركية في مدارس المناطق الخاضعة لسيطرتها في سوريا، وإن لم تكن لديها نية في الاحتلال لأدخلت مناهج “اليونسيف” أو مناهج أصدرتها المعارضة السورية.
الأعلام التركية وصور أردوغان باتت ترفع على كافة المؤسسات المدنية والعسكرية وحتى المدارس والمشافي، وفرضت على تلك المناطق التعامل بالليرة التركية بدلاً من السورية، وأصدرت وثائق وهويات جديدة لسكان تلك المناطق والتي ربطتها بشبكات السجلات المدنية في تركيا، وغيرت أسماء الكثير من القرى والنواحي وحولتها إلى أسماء تركية عثمانية، وأجرت التغيير الديمغرافي في المنطقة وخاصة في المناطق ذات الغالبية الكردية كعفرين وقرى الباب ومناطق متفرقة شمال حلب المتاخمة للحدود التركية، وتوطين التركمان والأيغور الموالين لتركيا في القرى الحدودية مع سوريا بعد تهجير أهالي تلك القرى الأصليين.
كما عمدت تركيا وبهدف محو هوية وتاريخ المناطق التي أجرت فيها التغيير الديمغرافي على إطلاق يد تجار وسماسرة الآثار المرتبطين بالاستخبارات التركية، لتدمير ونهب كافة المواقع الأثرية والتاريخية والمزارات الدينية، وخاصة تلك التي تكون تابعة للطوائف غير الإسلامية ونقلها إلى تركيا.
وتعمل تركيا مؤخراً على دعم وتقوية الفصائل التركمانية وفرضها على باقي الفصائل السورية، وتصفية كافة الفصائل أو القيادات التي لا ترضخ لأوامر الاستخبارات التركية والفصائل التركمانية، حيث تشهد مناطق سيطرة تركيا في الفترة الأخيرة “جرابلس والباب واعزاز وعفرين وإدلب” الكثير من التفجيرات وعمليات الاغتيال التي تطال قادة لبعض الفصائل السورية، بالإضافة إلى استهداف بعض القيادات البارز بطائرات مسيرة من قبل تركية وإلقاء التهمة على روسيا والتحالف لتبرئة نفسها، أو أنها تعطي المعلومات والإحداثيات لروسيا والتحالف لاستهداف تلك القيادات والتخلص منهم، بالإضافة إلى تحويل كافة فصائل “الجيش الوطني السوري” إلى مرتزقة وإرسالهم إلى ليبيا لتنفيذ مخططاتها العثمانية هناك أيضاً.
وما يعزز رغبة أنقرة في اقتطاع المناطق التي تسيطر عليها في سوريا قيامها مؤخراً وبحجة التصعيد في مناطق “خفض التصعيد” باستقدام قوات كبيرة إلى داخل سوريا، وتحصين النقاط العسكرية إلى داخل سوريا، فضلا عن إنشاء العشرات من نقاط المراقبة شمال حلب. حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفاع عدد الشاحنات والآليات العسكرية التي وصلت منطقة “خفض التصعيد” خلال الفترة الممتدة من الثاني من شهر فبراير/شباط 2020 وحتى الآن، إلى أكثر من 8240 شاحنة وآلية عسكرية تركية دخلت الأراضي السورية، تحمل دبابات وناقلات جند ومدرعات و”كبائن حراسة” متنقلة مضادة للرصاص ورادارات عسكرية، فيما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب خلال تلك الفترة أكثر 11500 ألف جندي تركي.
ومن جهة أخرى تعمل تركيا على تشكيل أحزاب تركمانية في المناطق التي تسيطر عليها، والتي باتت تعمل على تنظيم التركمان وضمهم للحزب، كالمجلس السوري التركمانى ويطلق عليها جمعية تركمان سوريا وهي منظمة تركمانية تشكلت مؤخرا لتشكيل ائتلاف من الأحزاب والجماعات التركمانية التي تمثل تركمان سوريا في “الائتلاف المعارض”. وحزب النهضة التركماني السوري والذي يتخذ من شعار “الذئاب الرمادية” التركية رمزاً لشعار الحزب، وتعتبر الأكثر عنصرية وشوفينية تجاه باقي القوميات.
وتعمل تلك الأحزاب خلال نشاطاتهم إلى محاولات إقناع وإغراء بعض المكونات كالعرب والكرد والشركس في المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا للتخلي عن أصولهم والقول بأنهم من أصول تركية عثمانية، وذلك مقابل مغريات مادية وسلطوية، وتصدر تركيا لهم وثائق وهويات تركية بموجب ذلك لتستخدمهم أيضاً في الانتخابات التركية ليصوتوا لصالح أردوغان وحزبه.
كما تعمل تلك الأحزاب على جمع كافة الأوراق والوثائق العثمانية التي لا تزال بحوزة بعض العوائل في مناطق شمال حلب لتستخدمها فيما بعد كوثائق على أن مناطق شمال حلب هي من الإرث العثماني.
ورغم أن كل ما ذكرناه يندرج تحت مسمى التمهيد للاقتطاع على غرارا ما فعلت بلواء اسكندرون سابقاً، ولكن ظهور وثيقة مؤخراً موقعة بتاريخ 18 تموز 2020 الجاري، تقطع الشك باليقين وتؤكد أن تركيا قد اتخذت قرار ضم الأراضي السورية لتركيا وأتبعتها بولاياتها ضمنياً وبشكل غير معلن.
وهذه الوثيقة هي قرار بتعيين إداريين لمديرة أمن منطقة اعزاز بريف حلب الشمالي، والتي كتب فيها بشكل صريح أنه “بناء على موافقة السيد والي كيليس تم تعيين العقيد أحمد قريوي مديراً لأمن اعزاز….”.
فتعيين الإداريين في تلك المناطق بموافقة ولاة تركيا حصرياً دليل قاطع على أن تركيا أتبعت شمال حلب لولاية كيليس وباتت تتعامل مع المنطقة على هذا الأساس، وعدم إعلانها هذا الأمر صراحة متوقفة على التطورات السياسية وتنتظر لتحين الفرصة المناسبة وتعلن اقتطاعها.
والسيناريو المتوقع لتلك المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا إن لم يتم تحريرها عسكرياً، فستكون على شاكلة اقتطاع لواء اسكندرون، أي أنه وبعد أن تهيئ تركيا الأرضية في تلك المناطق عبر اتباع غالبية القاطنين فيها بالدولة التركية، ستقول أنها لن تخرج من المنطقة إلا برغبة سكانها، وستطالب بإجراء استفتاء شعبي لمعرفة رغبة الأهالي بالانضمام إلى تركيا أو العودة إلى سوريا، وبطبيعة الحال ستكون حينها كافة الفصائل العسكرية والأحزاب التركمانية قد انهت مهمة تهيئة الشعب للتصويت على أنهم يريدون الانضمام إلى تركيا، وبهذا الشكل ستقتطع تلك المناطق بشكل رسمي وبمباركة دولية أيضاً وعلى رأسها روسيا التي تنتدب سوريا اليوم، على غرار ما فعلت فرنسا بلواء اسكندرون عندما كانت منتدبة لسوريا حينها.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.