NORTH PULSE NETWORK NPN

تحميل القوات العراقية مسؤولية محاربة حزب العمال الكردستاني دون مقابل.

رغم الحاجة العراقية الأكيدة والعاجلة لحل مشكلة المياه مع تركيا انصرفت محادثات مسؤولي البلدين، التي جرت مؤخّرا، عن هذا الملف الحارق إلى الملف الأمني الأهم بالنسبة إلى الطرف التركي؛ وهو ما يؤشّر على ضعف موقف العراق إزاء جيرانه وتراجع مستوى دبلوماسيته.

 

عرفت العلاقات العراقية – التركية خلال الفترة الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في وتيرة التواصل بين مسؤولي البلدين من مختلف المستويات، لكنّ مباحثات الطرفين انصبت بشكل استثنائي على الملف الأمني فيما أهملت الملف الأكثر حيوية بالنسبة إلى العراقيين وهو ملف المياه الذي بلغ نقطة حرجة بإجماع الخبراء والمتابعين.

 

واعتبر مراقبون الأمر مؤشرا على ضعف الدبلوماسية العراقية وضعف دولة العراق كلها أمام الجانب التركي، وهو ما أتاح للأخير فرض أجندته التفاوضية على الطرف العراقي.

 

وتسعى تركيا من وراء جهودها إلى تطوير العلاقة مع العراق لتحقيق هدفين محدّدين، الأول أمني يتمثّل في إنهاء وجود مسلّحي حزب العمّال الكردستاني داخل الأراضي العراقية مع تحميل العراق جزءا كبيرا من المجهود الحربي في مواجهة الحزب، والثاني اقتصادي يتلخّص عموما في إنجاز طريق التنمية الذي يمتد من مناطق جنوب العراق المطلة على مياه الخليج وصولا إلى الأراضي التركية.

 

غير أنّ المطلب العراقي الأكثر إلحاحا يظلّ حلّ معضلة المياه التي تفاقمت بشكل خطير نتيجة تجاوز تركيا على حصّة العراق من نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى تجاوز إيران على حصته من مياه عدد من الروافد التي تنبع من أراضيها.

 

ورغم الطابع الملحّ لمشكلة المياه لم تظهر على أجندة المحادثات الأخيرة بين المسؤولين العراقيين ونظرائهم الأتراك، بينما طغى الملف الأمني على المحادثات.

 

وتسعى تركيا في الوقت الحالي إلى فرض اتفاقية أمنية على العراق مطابقة للاتفاقية التي عقدتها إيران معه ونصت على إنهاء نشاط الحركات الكردية الإيرانية المسلّحة داخل الأراضي العراقية، الأمر الذي سيعني مشاركة عراقية بشكل عملي، ودون مقابل واضح في الجهد الحربي التركي ضد حزب العمال الكردستاني، وهو جهد متواصل منذ أربعة عقود دون أن يفضي إلى حسم المعركة ضدّ المسلحين المعتصمين خصوصا بالمناطق الجبلية الوعرة في كردستان العراق.

 

وظهر المسعى التركي لإبرام الاتفاقية إثر زيارة قام بها وزير الدفاع العراقي مؤخرا إلى أنقرة وبحث خلالها مع نظيره التركي يشار غولر التعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب وتعزيز أمن الحدود.

 

وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن الحوار مستمر بين بلاده وتركيا لتوقيع اتفاقية أمنية على غرار تلك التي وقّعتها بغداد مع إيران. وأضاف في مقابلة مع وكالة سبوتنيك الروسية أن الحوار بين أنقرة وبغداد متواصل لتنظيم العلاقات وبحث جميع القضايا المشتركة بما في ذلك الملفات الأمنية، مشيرا إلى وجود اتصالات لإيجاد آليات ملموسة لمكافحة المشاكل الأمنية.

 

ولم يتعرض السوداني لملف المياه الحيوي والشائك، الأمر الذي أرجعه مراقبون إلى فشل حكومته، على غرار حكومات عراقية سابقة، في تحقيق أي خرق في الموقف التركي المتصلّب.

 

ورغم أن رئيس الوزراء العراقي وضع الملف على رأس أجندة زيارته إلى تركيا في مارس الماضي إلاّ أنّه لم يحصل سوى على وعد تركي بزيادة منسوب الإطلاقات المائية في نهر دجلة لمدة شهر واحد.

 

وبعيدا عن الملف الأمني أظهرت تركيا، على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان، اهتماما كبيرا بدفع عملية إنشاء طريق التنمية الذي يحمل لها فرصا اقتصادية كبيرة حيث يصل أراضيها بمياه الخليج عبر الأراضي العراقية.

 

وازدادت أهمية المشروع بالنسبة إليها بعد أن تم الإعلان مؤخرا عن مشروع الطريق التجاري الكبير، الذي يمتد من الهند إلى الساحل الإسرائيلي عبر منطقة الخليج ليضمن تدفق مواد الطاقة عبر أوروبا دون الحاجة إلى المرور بتركيا التي لطالما سعت لجعل أراضيها ومياهها ممرا رئيسيا لتلك المواد.

 

وقال أردوغان في وقت سابق إن مشروع طريق التنمية التركي – العراقي يتيح فرصة بناء عالم جديد، مؤكّدا العزم على تنفيذ المشروع.

 

وعلى هذه الخلفية فسحت أنقرة المجال لتكثيف التواصل بين مسؤوليها ونظرائهم العراقيين. وبالإضافة إلى زيارة وزير الدفاع العراقي إلى تركيا استقبل مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي السفير التركي في بغداد، بينما استقبل الرئيس التركي كلا من رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ورئيس المشروع العربي خميس الخنجر ورئيس تحالف العزم مثنى السامرائي ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.

 

تركيا تريد تحقيق هدفين محدّدين، الأول أمني يتمثّل في إنهاء وجود مسلّحي الحزب داخل الأراضي العراقية والثاني اقتصادي يتلخّص في إنجاز طريق التنمية

 

وقال حيدر السلامي، عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، إنّ “ملف المياه مع تركيا مازال يشوبه عدم الاهتمام، ويفترض أن يعمل الجانب العراقي متمثلا في الحكومة بجدّ لإنهاء أزمة المياه”.

 

واعتبر في تصريح صحفي أنّ “جميع المفاوضات مع الأتراك لا تصب في مصلحة العراق، وسط استمرار المخاوف من تفاقم أزمة المياه”، مضيفا “واقع المياه في العراق بات من أهم التحديات التي تواجه الحكومة، ولا بد من إيلاء هذا الملف الاهتمام الأكبر لأنه يتعلق بمصير الملايين من العراقيين”.

 

كما نبّه النائب العراقي إلى أنّ “المفاوض التركي مازال هو المسيطر على جميع المفاصل رغم امتلاك العراق أوراقا ضاغطة يمكنه أن يفرض بها على الجانب التركي الاعتراف بحقوقه التي أقرتها القوانين الدولية والأممية بشأن الدول المتشاطئة”.

 

وتقول مصادر عراقية إنّ تركيا قلّصت الحصة المائية للعراق في نهري دجلة والفرات إلى ما نسبته سبعون في المئة، الأمر الذي قلّص بالنتيجة مساحة الأراضي المزروعة وأطلق موجات نزوح أعداد كبيرة من المزارعين والمرتبطين في أنشطتهم الاقتصادية بالمنتجات الزراعية نحو المدن بحثا عن فرص عمل.

 

المصدر: صحيفة العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.