NORTH PULSE NETWORK NPN

هل تستغل جماعة الإخوان المسلمين الانتخابات الرئاسية المصرية للعودة إلى المشهد السياسي؟

 

 

 

يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين تأمل في العودة إلى المشهد السياسي في مصر مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية المقرر لها شهر ديسمبر المقبل، وفق ما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات[1]؛ وذلك على الرغم من أن الجماعة مشتتة، ما بين قيادات هاربة في الخارج يراودها حلم العودة، وقيادات أخرى في السجون تُحَاكَم على خلفية تُهَم تتعلق بالعنف والتحريض عليه، وما بين أعضاء من التنظيم موجودين في الداخل ولكنهم منقسمون في ولائهم بين الجبهتين المتصارعتين داخل التنظيم، وهناك كذلك من جَمَّدَ عضويته داخل الجماعة بعدما شعر بضآلة المشروع الذي تحمله الجماعة على أكتافها، وأنه لا يعدو أن يكون مشروعًا تصادميًا مع كل الثوابت الوطنية.

 

حلم العودة الذي تنشده الجماعة، يأتي في ظل ظروف سياسية واقتصادية تمر بها مصر مع الاستحقاق الانتخابي الأهم، وهو اختيار رئيس الدولة من بين عدد من المرشحين في اقتراع مباشر، وفي ظل أوضاع اقتصادية عالمية تركت بصمتها على العالم – ومنها مصر – بدايةً من جائحة كورونا، وانتهاءً بالحرب الروسية في أوكرانيا.

 

وفي هذه اللحظة الفارقة، تحاول الجماعة أن تستغل هذه الظروف من أجل مناكفة النظام السياسي في البلاد، خاصة وأن شعور الانتقام يملأ صدور قيادات وأعضاء التنظيم في الداخل والخارج، فضلًا عن حلم العودة وصدارة المشهد السياسي الذي ما زال يُداعب خيال التنظيم، أو لعله سيظل ضربًا من الخيال في انتظار اقتراب الموعد المحدد لهذا الاستحقاق. وجديرٌ بالذكر أن هناك قيادات في التنظيم قد ترى أن التقارب بين الجبهتين المتصارعتين من الممكن أن يحدث في هذه اللحظة التاريخية، حيث يشتركان في معاداتهما للنظام وضرورة الانتقام منه، وهنا قد تبدو أهمية استغلال اللحظة التاريخية.

 

ويأتي حلم عودة الإخوان المسلمين إلى المشهد السياسي في ظل ظروف تنظيمية وبنيوية حرجة، إذ إن التنظيم يُعاني من انهيار داخلي، لا سيّما في ظل التشظي بين عدد من الجبهات، لعل أشهرها جبهة لندن، والتي ارتبط اسمها بالراحل إبراهيم منير، والتي سبق وأن أعلنت تعليق أي مشاركة سياسية أو ترشيح أي من قياداتها على منصب رئيس الدولة[2]، فقد أعلن القائم بعمل المرشد آنذاك عدم المشاركة في الصراع على السلطة أو الصراع بين الأحزاب السياسية.

 

جبهة إبراهيم منير، التي سبق وأعلنت تعليق أي مشاركة سياسية تتعلق بالصراع على السلطة، خرج مسؤول مكتبها السياسي، حلمي الجزار[3]، بعد صمت دام 10 سنوات، ليعلن تأييده للمرشح المحتمل في هذه الانتخابات، أحمد الطنطاوي، والذي رحب هو الأخير بعودة الإخوان إلى المشهد السياسي، ووعده بعدم إقصاء أي فصيل سياسي من العمل، مُلَمِّحًا بدور أكبر للإخوان المسلمين في الحياة السياسية.

 

في المقابل، هناك جبهة محمود حسين، ومقرها إسطنبول، التي قدمت نفسها على أنها المدافع عن حقوق الإخوان، وبخاصة ما يتعلق بما أسمته بحق الشهداء والقصاص لهم، وكذلك الدفاع عن سجنائها داخل السجون المصرية، وقد لاقت هذه النبرة قبولًا لدى الإخوان المسلمين في مصر. وهو ما يثير التساؤلات حول إمكانية استغلال جماعة الإخوان فرصة انتخابات الرئاسية في مصر للعودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى. وفي هذا الصدد يثور التساؤل: ما هي الأدوات التي قد تسعي الجماعة لاستغلالها لتحقيق هذا الهدف؟ وما هي المعوقات التي قد تنسف جهودها في هذا الإطار؟.

 

أولًا: مساعي جماعة الإخوان المسلمين للعودة إلى المشهد عبر بوابة الانتخابات الرئاسية

 

حلم العودة عند جماعة الإخوان المسلمين مرتبط برغبة داخلية، حيث تبحث الجماعة – المنقسمة على نفسها – عن مخرج لأزمتها السياسية والتنظيمية، بما يُسهم في إعادتها إلى المشهد، وهي تستغل في ذلك ما تظنه غَزَلًا من بعض المرشحين المحتملين في هذه الانتخابات، وبخاصة المرشح المحتمل الأبرز، أحمد الطنطاوي. وهنا يتطلع التنظيم للعودة، ويرسم خطوط هذه العودة في مخيلته القريبة والبعيدة، مستغلًا الحدث الانتخابي الأبرز على الساحة المصرية لتحقيق هدفه. خاصة وأن المرشح أحمد الطنطاوي يبدو أنه ترك الباب مفتوحًا أمام احتمالات عودة «الإخوان» إلى الساحة السياسية حال انتخابه. حيث أشار في مقابلة مصورة مع إحدى المنصات الإعلامية على شبكة الإنترنت إلى أنه «يرفض استبعاد أي فصيل سياسي من الساحة». واستشهد في هذا الصدد «بما تم مع (الحزب الوطني) الحاكم في مصر قبل عام 2011، عندما تمت محاكمة بعض قياداته، (من دون أن يتم إقصاء أعضائه من العمل السياسي)»[4]. وبالتالي يبدو أن الطنطاوي لا يرفض عودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي، بل يُطالب بأن يكونوا جزءًا من العملية السياسية، متغاضيًا عن انحياز الجماعة إلى استخدام العنف، ودورها في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية، وما وفرته الجماعة من بيئة خصبة لكل جماعات العنف والتطرف.

 

وهنا تبدو عودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي المصري مرتبطةً بفكرة المصالح، فالمعروف أن المرشح أحمد الطنطاوي يطرح نفسه باعتباره مُعَبِّرًا عن التيار المدني، وجماعة الإخوان المسلمين – من جهتها – تعاني من التشرذم والملاحقة والإقصاء، وبالتالي فإن الصورة تبدو وكأن كُلًا منهما في حاجة إلى الآخر. الأول في حاجة إلى أصوات الإخوان، كما أن الجماعة في حاجه إلى من يمد لها يده حتى يُعيدها إلى المشهد السياسي. ومما يجدر الانتباه إليه بصورة أكبر في هذا السياق، هو ما جرى في الاجتماع الذي حضره طنطاوي مع ممثلين عن تجمّع حزبي يُطْلَق عليه “الحركة المدنية”، فقد فوجئ الحضور في الاجتماع بأن طنطاوي يطلب منهم الموافقة على عودة تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي إلى واجهة المشهد. وحين لاحظ الغضب عليهم، عاد وأوضح أنّه يرى “ضرورة عودة الإخوان”، ولكن كجماعة أهلية تهتم بالدعوة الدينية، من دون العمل في السياسة”[5].

 

إن الجدل الدائر حول عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى المشهد السياسي – مستغلة الانتخابات الرئاسية – يعود إلى تصريحات المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، وتصريحات مسؤول المكتب السياسي لجماعة الإخوان، حلمي الجزار، حيث خرج الأخير في لقاء تليفزيوني على إحدى المنصات الإعلامية المحسوبة على الجماعة، وأعلن عن رضاه عن أحمد طنطاوي، وإنْ راوغ قليلًا في إعلان التأييد الكامل له، ولكنه عمومًا فُهِمَ على أنه إعلان تأييد[6]. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تحدثت تقارير إعلامية مصرية عن أن «قيادات بارزة في الحملة الانتخابية للطنطاوي كانت من بين عناصر التنظيم». وأبرزت تلك التقارير تدوينات سابقة للمنسق العام للحملة محمد أبو الديار، وأمين التدريب فيها إسلام بهي الدين، عبر منصات التواصل الاجتماعي، تشير إلى «تعاطفهم» مع الإخوان، في حين «لم يصدر عن الحملة أي نفي لما تردد»[7].

 

ولعل العلاقة بين المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي وبين جماعة الإخوان هو سبب الجدل الدائر، خاصة وأن باقي المرشحين المحتملين حتى الآن أعلنوا رفضهم السماح بعودة الإخوان، أو السماح لهم باستغلال هذا الحدث لتحقيق انتصار سياسي يُطلون من خلاله مرة أخرى على نافذة العمل السياسي. وفي هذا السياق قال فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والمرشح المحتمل في الانتخابات الرئاسية: “لن أختتم حياتي السياسية بالتحالف مع أي شخص يدعم الإخوان، وهناك من هم أكثر جدارة مني على توحيد الصفوف في الانتخابات الرئاسية المقبلة”، لافتًا النظر إلى أنه اتصل بشخصيات وطنية مثل عمرو موسى لمحاولة إقناعه بالترشح، ولكنه رفض، وأيضًا حسام بدراوي، وأكّد أنه خاطب وألحّ على العديد من الرموز الوطنية من أجل الترشح للرئاسة دون أن يطالب بمنصب[8].

 

ثانيًا: انعكاس الخلاف التنظيمي داخل الجماعة على استغلالها للانتخابات الرئاسية

 

أيًا ما كان الأمر، فإن كلا الجبهتين المتصارعتين على قيادة تنظيم الإخوان المسلمين تمارسان الآن بعض المحاولات لتحقيق أي قدر من التقارب، ليس على مستوى الخلاف الداخلي، ولكن على مستوى عدم إثارة بواعث الخلاف – على الأقل خلال الفترة الأخيرة – بهدف توحيد القوى لمواجهة السلطة السياسية الحالية، كون الرئيس عبد الفتاح السيسي، أحد أهم المرشحين المحتملين في هذه الانتخابات. وربما يكون حديث مسؤول المكتب السياسي لجبهة إبراهيم منير، حلمي الجزار، على إحدى منصات الإخوان الإعلامية قبل أيام، دليلًا على هذا التوجه، حيث قال الرجل في معرض السؤال عن الخلاف الحادث بين الجبهات المتصارعة داخل التنظيم: “حدث في الماضي، وينحصر حاليًا، وسوف ينتهي في المستقبل!”.

 

وكأن الجزار – الذي يمثل جبهة إبراهيم منير – يُريد أن يُهيل التراب على الخلاف الدائر بين جبهات التنظيم المتصارعة، بهدف تجميع قوى هذه الجبهات من أجل مواجهة السلطة. غير أن تصريحه هذا ربما زاد من حدة الخلاف، لدرجة أنه دفع جبهة محمود حسين إلى إصدار بيان علقت فيه على الخلاف، وعمَّقت من رؤيتها التي تتباين بطبيعة الحال مع الجبهة المناوئة لها داخل التنظيم. فالجزار – من جهته – كان يحاول التقليل من قيمة جبهة إسطنبول المناوئة له، والتأكيد على اعتزال جماعة الإخوان العمل السياسي، على الأقل خلال الفترة الحالية، واصفًا هذا الأمر بأنه قد تمت مناقشته داخل أروقة الجماعة، وأنه قرار مؤسسي. وعلى الجهة المقابلة ترفع جبهة محمود حسين شعار القصاص، بل إن قادتها – على الأرجح – يُقدمون أنفسهم لأعضاء التنظيم من هذه الزاوية[9].

 

وهنا جاء موقف الجبهة المناوئة، والتي يتزعمها محمود حسين، إذ أصدرت بيانًا بعنوان “بيان من جماعة الإخوان المسلمين حول المشهد السياسي في مصر”، تؤكد فيه عدم الاعتراف بالنظام السياسي الحالي، لا سيّما وأن موقف جبهة إبراهيم منير قد يشير إلى أنها – ربما – تخلت عن جزء من خصومتها مع النظام السياسي، على الأقل من الناحية العلانية، وذلك من خلال طرحه وثيقة عدم المنافسة على السلطة، والتي ترجمتها جبهة محمود حسين بأنها اعتراف بالنظام السياسي، وتفريط فيما أسمته بحق الشهداء. وعلى هذه الشاكلة كان تركيز البيان في رده وتعقيبه.

 

وقد حرص حلمي الجزار، في حواره مع إحدى القنوات المملوكة لجماعة الإخوان، على أن يقدّم التنظيم على أنّه فصيل سياسي يقبل بالمختلفين، ثم أعلن أنّ الجماعة لن تخوض الانتخابات الرئاسية، وكأنّ مشكلة التنظيم كانت مع النظام السياسي وأجهزته الأمنية، وليست مع الشعب المصري الذي ثار عليه، وما زال يتذكّر جرائمه التي لم تتوقف. وهنا تجاهل الجزار مسألة الخلاف تمامًا، وصَبَّ تركيزه على الفكرة الأساسية المرتبطة بمواجهة السلطة، وكأنه يرسم للجبهة المناوئة مسار المواجهة القادم. غير أن المذيع ترك سؤاله الأخير حول الانقسام إلى آخر الحوار، وقبل أن ينهيه، فكان رد الجزار بمثابة إحياء للخلاف الموجود، ففي اعتقاد الرجل أن مداراة هذا الخلاف وعدم الاعتراف به هو تجاوز للأزمة على الأقل في الوقت الحالي.

 

ثالثًا: ملامح الوضع التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين وهي تترقب الاستحقاق الانتخابي

 

الإخوان يترقبون الانتخابات الرئاسية، على أمل انفراجة قد تشملهم، سواء على مستوى حركة التنظيم، أو طمعًا في عودتهم إلى المشهد السياسي، بما يترتّب عليه من الإفراج عن سجناء الجماعة، وبخاصة أولئك الذين صدّرت عليهم أحكام، أو أُدينوا في قضايا جنائية تتعلق بالعنف. وهنا ملاحظة مهمة يجب التوقف عندها، ألا وهي الحديث عن الوضع التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين وهي تترقب الانتخابات الرئاسية.

 

من البديهي أنه لا يمكن حصر موقف الإخوان في موقف واحد يمثل كل جماعة الإخوان، نظرًا – على وجه الخصوص – إلى كونها مشتتة بين جبهات مختلفة، وبالتالي لا يمكن اعتبار موقف أي جبهة بأنه مُعَبِّرٌ عن موقف التنظيم ككل، وإنما يكون مُعَبِّرًا عن موقف جبهته فحسب، وهذه الجبهة – بالتبعية – لا تُعَبِّر إلَّا عن نفسها، حتى ولو كانت تدّعي أنها تتحدث باسم التنظيم، وتزعم أنها المُعَبِّر عنه. وفي هذا السياق سنجد أن الجبهات الأربع لجماعة الإخوان – إذا جازت هذه التقسيمة – لها مواقف متباينة؛ فجبهة إبراهيم منير قد عَبرَّ َعنها مسؤول المكتب السياسي، حلمي الجزار – أثناء حديثه المذكور آنفًا – حين سلط الضوء في هذا الحديث على مسألة تأييد الإخوان لمرشح يمنح الجماعة الحرية التي افتقدتها، دون أن يَصُبَّ هجومه على المرشح الأوفر حظًا في هذه الانتخابات، وهو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، خشية حدوث مزيد من المواجهة للتنظيم في حال فوزه.

 

في حين أن الجبهة الثانية، وهي جبهة محمود حسين، والموجودة في اسطنبول، والتي ترفع شعارات القصاص لدماء قتلى الإخوان في الاعتصامات والعمليات العسكرية، هذه الجبهة ترفض أي تسويه أو تهدئة مع النظام السياسي في مصر، ولعل البيان الأخير الصادر عن الجبهة يحمل هذه الرؤية، حيث جاء ردًا على موقف جبهة لندن، والتي عَبَّرَ عنها – كما ذكرنا – حلمي الجزار.

 

أمّا الجبهة الثالثة فيُعَبِّرُ عنها المكتب العام للإخوان، وهؤلاء هم الذين اختاروا طريق العنف أو المواجهة المسلحة، ومن رَحِمِ هذه الجبهة خرجت ما يُسمى ميلشيا حركة “سواعد مصر.. حسم”، و”لواء الثورة”، وهؤلاء هم الأقرب إلى جبهة محمود حسين، وإن كانوا يرون أن شكل المواجهة لا بُدَّ أن يكون أكثر حسمًا، وهم أميل إلى المواجهة الخشنة أو العنيفة.

 

وهناك جبهة رابعة، هي الأكبر والأكثر اتساعًا والأقوى، وهم أولئك الذين جَمَّدُوا عضويتهم داخل التنظيم، بمعنى أنهم لم ينضموا إلى جبهة بعينها، ولكنهم ما زالوا يؤيدون الجماعة في جبهاتها الثلاث، وينتظرون خروج مرشد الإخوان محمد بديع من السجن، الذي يتلوه – في زعمهم – انتهاء دواعي الخلاف. هؤلاء ما زالوا مخلصين لأفكار التنظيم، وينتظرون المشاركة في أي فعالية تخدم فكرة عودة الجماعة بجبهاتها المنقسمة إلى المشهد السياسي، بغض النظر عن الذي يمثل هذه الجماعة من هذه الجبهة أو تلك.

 

وبالتالي، لا يمكن حصر موقف واحد للجماعة، واعتباره موقفًا رسميًا لجماعة الإخوان، أو مُعَبِّرًا عنها، وإنما هي مواقف متعددة، ومن ثم فإنه لا يمكن رسم استراتيجية واحدة للتنظيم إزاء هذا الاستحقاق، بل نحن أمام رُؤًى مختلفة. والحديث عن وجود استراتيجية واحدة للتنظيم ليس صحيحًا، وإنما هي مواقف مختلفة لجبهات متناحرة، كل منها له رأيٌ يُعَبِّر عنه، وإنْ كان يعتبر رأيه هو رأي التنظيم ككل، وليس رأي الجبهة التي يمثلها.

 

رابعًا: معوقات عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى المشهد المصري مُجَدَّدًا

 

قد يكون صحيحًا أن جماعة الإخوان المسلمين تحاول العودة إلى المشهد السياسي من جديد، ولكن الحقيقة أنهم يشهدون تراجعًا، خاصة وأن ذاكرة المصريين ما زالت تحمل مشاهد الأحداث السياسية التي شارك التنظيم في إنتاجها، لا سيّما بعد أن حرّضوا على العنف وإسقاط الدولة، حيث لا يزال الرفض الشعبي والسياسي والحزبي لعودة الجماعة إلى المشهد السياسي قائمًا.

 

ومن الأمثلة على ذلك، البيان الذي أصدره المجلس الرئاسي لتحالف الأحزاب المصرية، المُشَكَّل من 42 حزبًا، برئاسة النائب تيسير مطر، أمين عام التحالف، فقد وَرَدَ في هذا البيان وَصْفُ محاولات عودة الإخوان إلى المشهد بأنها “جريمة في حق الشعب المصري”، الذي ثار على الجماعة في 30 يونيو (2013)، ودفع الثمن غاليًا من دماء أبنائه؛ لاستعادة مصر من حكم دولة المرشد[10].

 

وذكر البيان أن “جميع رؤساء الأحزاب أعضاء المجلس الرئاسي للتحالف، وقيادات الأحزاب، توعدوا من يحاول تمهيد الأرض لعودة جماعة الإخوان الإرهابية، بردود صاعقة من الشعب المصري قبل أي جهات أخرى؛ لأن الشعب ذاق الآلام والمعاناة على أيديها، وأنه قد طوى هذه الصفحة إلى الأبد، ولن يسمح بفتحها مرة أخرى[11].

 

صحيحٌ أنه تم رصد المواقف الحزبية، عبر بيانات معلنه وتصريحات نُشرت في بعض وسائل الإعلام، لكن المواقف الشعبية لا تقل عن مواقف الأحزاب المدنية التي رفضت عودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي، أو استغلالها للاستحقاق الانتخابي. فحزب الكرامة الذي كان يتولى رئاسته من قبل أحمد طنطاوي، أعلن دعمه للمرشح المحتمل، ودعا جميع أعضاء وجماهير الحزب إلى تحرير توكيلات الترشح للطنطاوي، وفتح مقرات الحزب بجميع المحافظات لاستقبال أنشطة الحملة الانتخابية وفعالياتها طوال فترة الدعاية الانتخابية[12].

 

ولم يكن حزب الكرامة هو الحزب الوحيد الذي أعلن دعمه للمرشح المحتمل أحمد طنطاوي، بل إن حزب التحالف الشعبي أعلن هو الآخر دعمه لطنطاوي، حيث جاء في بيان للحزب أن اللجنة المركزية للحزب صوتت بالإجماع على دعم أحمد طنطاوي، وتوجيه أعضاء الحزب لتحرير توكيلات له، مع فتح مقار الحزب في محافظات الجمهورية لاستقبال أنشطة الحملة وفعالياتها طوال فترة الدعاية الانتخابية[13].

 

والملاحظ في هذا السياق، أن إعلان الدعم لأحمد طنطاوي جاء من قِبَل الأحزاب السياسية المحسوبة على اليسار فقط، وهي قليلة مقارنة بباقي الأحزاب السياسية التي تصل إلى 42 حزبًا سياسيًا، وهي المسجلة رسميًا، بينما لم تُعلن الأحزاب الدينية، أو القريبة من التيار الديني، وبخاصة التيار السلفي، مثل حزب النور، أي موقف سياسي مؤيد لأحمد طنطاوي. لذا تبدو مواقف الأحزاب السياسية واضحة – وربما – حتى هذه اللحظة، حيث يبدو أن هناك شبه اتفاق بين هذه الأحزاب على عدم السماح لجماعة الإخوان بالعودة إلى المشهد السياسي، أو استغلال الاستحقاق الانتخابي من أجل تحقيق بعض المكاسب، وهو ما يُعَدُّ تراجعًا للتنظيم، وليس عودة إلى المشهد كما يحاول تصويرها من يحاول تفسير المشهد كما يتمناه[14].

 

وأخيرًا، يمكن القول إن هناك محطات – أو مراحل – كثيرة مرت بها جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها، وفي بعض هذه المحطات ظن المراقبون معها أن التنظيم قد انتهى، غير أن الحياة كانت تعود إليه من جديد، وربما كانت عودة هذه الحياة ترتبط بظروف سياسية، أو إرادة خارجية ساعدت في إنقاذ جماعة الإخوان، فالسؤال المطروح هو: هل يتكرر هذا الأمر مع الجماعة الآن، بعد أن نَفِدَ كل رصيدها؟.

 

الحقيقة أن الخلافات التي يمر بها التنظيم حاليًا تُعَظِّم من فكرة اللا عودة، وهي نقيض ما تحلم به الجماعة، فما تشهده الآن جماعة الإخوان المسلمين – على المستوى البنيوي والتنظيمي – ليس إلَّا دليلَ انهيارٍ، وشهادةَ وفاةٍ. ومجرد الحراك الحالي للتنظيم إزاء الانتخابات الرئاسية خلال الشهور القليلة القادمة لا ينبغي مُطْلَقًا أن يُعْتَبَر دليلًا على عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى المشهد، بعد أن باتت مستحيلة شعبيًا وسياسيًا.

 

 

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.