NORTH PULSE NETWORK NPN

هيئة تحرير الشام تنزع قناع الاعتدال وتؤسس لحكم في إدلب على شاكلة طالبان

عمدت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام إلى تسريب مشروع قانون يفرض حزمة من المحرمات والممنوعات التي تطال مختلف مناحي الحياة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لتسقط بذلك الهيئة قناع الاعتدال الذي حرصت على الظهور به خلال السنوات الماضية علها بذلك تجد قبولا دوليا.

تعمل هيئة تحرير الشام على فرض نمط مجتمعي متشدد في المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال غرب سوريا، بعد أن نجحت في تكريس حكمها لتلك المناطق، عبر تحجيم الفصائل الأخرى خلال السنوات الممتدة ما بين عامي 2014 و2019.

 

وتحاول الهيئة التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) استغلال الظرفية الإقليمية الطارئة، وتراجع الاهتمام الدولي بالأزمة السورية، لتمرير رؤيتها المتشددة، وتركيز نظام على شاكلة حكم حركة طالبان في أفغانستان.

 

ويرى خبراء في شؤون الجماعات الجهادية أن الهيئة، المصنفة إرهابية، تعتبر أن الظرفية مواتية لاستكمال فرض مشروعها الذي اعتمدت في تنفيذه نهجا متدرجا على مدار السنوات الماضية لتجنب إثارة غضب المجتمع الدولي، وأيضا المجتمعات المحلية.

 

وعمدت هيئة تحرير الشام في السنوات الأولى من سيطرتها على نحو 75 في المئة من محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حلب وحماه واللاذقية، إلى التسويق لصورة الحركة المعتدلة في محاولة لإيجاد قبول دولي ومحلي لها.

 

ولعبت القوى الإقليمية الداعمة للهيئة على غرار تركيا دورا في إقناع قيادتها بالتأني في الكشف عن قناعاتها المتشددة، حتى لا تثير الغرب ضدها، وهو ما تحقق نسبيا، لكن اليوم ومع اضمحلال الاهتمام الدولي بسوريا، وشعورها بإحكام قبضتها على المناطق الخاضعة لها سواء على صعيد تركيز مؤسسات تابعة لها وأيضا تحكّمها بمفاصل الاقتصاد في تلك المناطق ارتأت أنه حان الوقت لتنفيذ مشروعها المجتمعي النابع من نظرة دينية متشددة.

 

ويشكل قانون الآداب العامة الذي صاغته حكومة الإنقاذ، التي شكلتها هيئة تحرير الشام في العام 2017، المدخل لفرض ذلك المشروع.

 

ويتضمن قانون الآداب العامة الذي تطرحه حكومة الإنقاذ 128 مادة، منها تشكيل شرطة للآداب.

 

ويقسم القانون الذي عرضه موقع عنب بلدي السوري إلى خمسة أبواب تتضمن مجموعة من القواعد والأحكام المتعلقة بالنظام الأخلاقي والسلوكي لأفراد المجتمع في مناطق سيطرة الهيئة.

 

ووفق المشروع، تتولى شرطة الآداب مسؤولية إصدار المخالفات بحق غير الملتزمين، وذلك ضمن مسؤوليات أخرى تتولاها هذه الجهة.

 

ولا تختلف المهام الموكولة إلى شرطة الآداب كثيرا عن هيئة “الحسبة” التي جرى حلها منذ سنوات، بعد احتجاجات شعبية رافضة لممارسات عناصرها.

 

وأوضح مسؤول المكتب الإعلامي في حكومة “الإنقاذ” للموقع السوري إن النسخة مطروحة بمراحلها النهائية، لكنها لا تعتبر رسميًة ما لم نتشر في الجريدة الرسمية.

 

ونص المشروع في الفصل الأول من الباب الثالث، على الصلاحيات الموكلة لشرطة الآداب، وتشمل الرقابة على وسائل الإعلام، ووسائل التسلية والترويح، والمؤسسات التجارية والصناعية والخدمية والطرق والمرافق العامة، ومنع مخالفات الآداب والذوق العام فيها.

 

ولشرطة الآداب صلاحية منع الأعمال المخالفة، وضبطها أو إزالتها، أو القبض على المخالفين، أو إغلاق المحال المخالفة. ووفقًا للقانون يترتب على الشرطة القيام بدوريات، ويختلف عددها في اليوم الواحد حسب الوضع، لكنها لن تقل عن ثلاثة دوريات.

 

وتضمن القانون المطروح حزمة من المحرمات والممنوعات من بينها منع الاختلاط بين الجنسين، إلا بإثبات أنهما من المحارم، ومنع المعازف والعروض المرئية المسموعة “المخالفة للدين والذوق”.

 

ويمنع القانون خلوة الرجل مع امرأة أجنبية عنه، والزنا وشرب الخمر ولعب القمار.

 

وبحسب القانون، يمنع عرض السلع التجارية “الخادشة للحياء” على واجهات المحلات، والوقوف أمام المدارس والمعاهد والجامعات والأماكن الخاصة بالنساء، بصورة تنافي الأعراف المجتمعية.

 

وفيما يتعلق بالأفراح والمناسبات، فيمنع القانون المعازف والعروض “المخالفة للدين”، وإطلاق الرصاص، والاختلاط بين الجنسين، وتركيب كاميرات مراقبة داخل غرف تبديل الملابس.

 

ويلزم أصحاب المولات والمحال التجارية بتخصيص حرس دائم على البوابات الرئيسية، ومنع تشغيل الأغاني والموسيقى، وتخصيص بائعة في المحال المخصصة لبيع الثياب الخاصة بالإناث، وعدم تركيب كاميرات مراقبة فيها.

 

هيئة تحرير الشام ترفع راية التغيير

 

وفيما يخص المخالفات التي تتعلق بالمطاعم والمقاهي، تتضمن الفصل التام بين قسم الذكور والعائلات، بما في ذلك المرافق العامة لهما، وتوفير ستائر كافية للفصل بين الطاولات المتعلقة بفئة العائلات، وعدم تركيب كاميرات مراقبة داخل القسم.

 

كما يمنع دخول الأراجيل أو تقديمها، وتشغيل الأغاني والموسيقى والعروض المرئية والسمعية المخالفة للدين والذوق العام، ومنع الأصوات العالية.

 

وحسب الفصل الخامس، على عناصر الشرطة المختصة (شرطة الآداب) القبض على مرتكبي المخالفات المذكورة وكتابة ضبط بذلك، وأن يبلغوا القاضي فورًا بمذكرة، ولا يجوز إبقاء المقبوض عليه موقوفًا لأكثر من 24 ساعة دون عرضه على القاضي.

 

وسبق وأن مهدت هيئة تحرير الشام لقانون الآداب العامة عبر سلسلة من الإجراءات كان من بينها إصدار وزارة التربية في حكومة الإنقاذ العام الماضي تعميمًا موجهًا إلى المؤسسات التعليمية الخاصة يقضي بإزالة الرسوم والصور المرسومة على الجدران في المدارس، وارتداء اللباس الشرعي الساتر الفضفاض من قبل طلاب مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي.

 

وتضمن التعميم ارتداء اللباس الشرعي الساتر الفضفاض من قبل الكوادر الإناث، والفصل التام بين الطلبة الذكور والإناث لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، وعدم اصطحاب الهواتف من قبل الطلبة، والابتعاد عن الموسيقى والعروض غير اللائقة والمخالفة للضوابط الشرعية على منصات التواصل الاجتماعي التابعة للمؤسسات التعليمية، وفي الاحتفالات التي تقيمها المدارس داخل المنشآت أو خارجها.

 

وطلبت الوزارة بالابتعاد عن “الموضات“ المخالفة لتعاليم الدين والعادات، كحلاقة القزع والمكياج والتبرج وغيرها، وفق التعميم.

 

وكانت حكومة الإنقاذ فرضت قبل ذلك فصل الطلاب الذكور عن الإناث في الجامعات، من خلال تحديد أيام دوام مختلفة لكل منهما، وحددت في بعض الكليات أقسامًا مخصصة للإناث وأخرى للذكور.

 

ويرى مراقبون أن تسريب القانون الجديد لا يخلو من بعد سياسي في علاقة بحرف الأنظار عن الصراعات التي طفت على السطح مؤخرا داخل هيئة تحرير الشام، وملف العمالة الذي شكل إحراجا كبيرا لقيادة الهيئة وعلى رأسها زعيمها أبومحمد الجولاني.

 

ويشير المراقبون إلى أن من دواعي طرح القانون أيضا سعي الجولاني لإرضاء التيار المتشدد، بعد موجة الانشقاقات التي عصفت بالهيئة في الفترة الماضية وكان أكثرها دويا انشقاق جهاد عيسى الشيخ المعروف بـ“أبوأحمد زكور”.

 

ويقول المنشق عن الهيئة أبوحمزة الكردي في تيليغرام، إن “مجلس الشورى التابع للهيئة صوري ولا يحق له التصويت على مثل هكذا قانون، علما أن هذا القانون ليس منوطًا بالتصويت، فهو أمر شرعي واجب ولا نقاش فيه”.

 

ويضيف الكردي “لكن اللافت أنهم يخجلون من تسميته باسم شرعي، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقبل عامَين ونصف العام أوقف مركز الفلاح وأُلغيت الحسبة وتم تفعيل شرطة الأخلاق، ولم نرَ تحسنًا بل ازداد الأمر سوءًا”.

 

ولا تخلو عملية تسريب القانون من جس نبض لسكان المنطقة، وإن كان من غير المنتظر أن تسحبه حكومة الإنقاذ، لاسيما وأنها بدأت الترويج له أيضا في المساجد.

 

المصدر: صحيفة العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.