NORTH PULSE NETWORK NPN

“وثيقة المناطق الثلاث”.. “انقلاب” على حالة السكون بالأزمة السورية

نورث بالس

مع اقتراب “الثورة السورية” على نظام بشار الأسد من دخول عامها الرابع عشر، أعلن أكاديميون ومثقفون وناشطون في ثلاثة بقع بمحافظات السويداء ودرعا وحلب عن إطلاق مبادرة تحت مسمى “وثيقة المناطق الثلاث”، تقوم على خمسة مسارات أساسية.

وجاء الإعلان عن الوثيقة الجديدة، خلال وقفة، يوم الجمعة، أمام صرح قائد الثورة السورية الكبرى، سلطان باشا الأطرش، في بلدة القريّا بريف السويداء.

وجاء في مقدمتها: “أننا، بصورة سوريا مشتركة ملؤها الأمل، إذ نتذكر (إعلان استقلال سوريا)، الذي أُعلن في مثل هذا اليوم من عام 1920، اخترنا من طرائق الذكرى أفضلها؛ فقررنا أن نحيي ذاكرتنا الوطنية الديمقراطية العريقة من بوابة المستقبل، وبدلالته، بالعمل المشترك الذي يستأنف المشروع الديمقراطي الوطني الذي بدأه السوريون في آذار (مارس) 2011”.

وأوضح الأكاديمي والمحلل السياسي، د. فايز القنطار، في حديثه إلى “موقع الحرة” أن “الإعلان عن هذه الوثيقة قد جاء في مناسبة يجهلها الكثير من السوريين، ألا وهي ذكرى تأسيس الدولة السورية الديمقراطية الحرة في الثامن من آذار (مارس) من العام 1920، وذلك قبل أن يجهضها الاستعمار الفرنسي”.

وتابع: “في ذلك اليوم كنا قد شهدنا ولادة دولة كان يحكمها دستور من أرقى دساتير العالم في تلك الفترة، وبالتالي فإن هذه الوثيقة جاءت لإحياء تلك الذكرى من جهة، وللتأكيد على أهداف ثورة الحرية والكرامة التي شهدتها البلاد في العام 2011 من جهة أخرى”.

وزاد: “وأيضا جاءت هذه الوثيقة لاستئناف المسيرة الديمقراطية وإعادة بناء سوريا بحيث تكون وطنا لجميع أبنائها، يحكمها الدستور ويتساوى الكل فيها أمام القانون، وليكون لدينا دولة تدخل قيم العصر، وتجعل من سعادة الإنسان هدفا أساسيا”.

وعن رمزية اختيار بلدة القريا في السويداء للإعلان عن الوثيقة، أجاب القنطار: “نحن نعلم أن لتلك البقعة مكانة خاصة عند السوريين، فهي مسقط رأس قائد الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، سلطان باشا الأطرش”.

وأردف: “تلك الثورة قد ألهمت الكثير من حركات الثورة والتحرر عربيا ودوليا، إذ أنها أكدت أنه بإمكان عدد صغير من الثوار التصدي لجيش متعجرف مجهز بأحدث الأسلحة وقتاله لمدة عامين، وإجباره على الخضوع”.

وتضمن المسار الأول للوثيقة المشتركة”تأميم السياسية”، أي أن السياسة في البلاد “هي شأن عمومي سوري، لا يخص فئة دون أخرى. وعليه؛ فإننا نعلن بوضوح، وأن تسليم القرار العمومي السوري لأي قوة أجنبية، أو دولة أخرى، أو ميليشيا، أو جماعات حزبية، أو عصبية، هو مصادرة لقرار السوريين، ويجب أن يتوقف؛ سواء صدر من الطغمة المجرمة التي تحكم دمشق، أو من أي طرف آخر”.

وشدد المسار الثاني في الوثيقة على أن “الحياة، والحرية، والأمان، والكرامة”، هي “حقوق مصونة للسوريين كلهم، تقع في مركز تفكير السياسة السورية، ونناهض كل فعل، أو خطاب، يدعو إلى الكراهية، أو يُروج للقبول بمصادرة الحريات والكرامة ومقايضتهما بالاستقرار”.

وأما المسار الثالث في الوثيقة، فقد حمل عنوان”وحدة سوريا”، إذ أوضح البيان أن “الدولة الوطنية لجميع أبنائها، وليست دولة ملة، أو طائفة، أو جماعة عرقية، أو حزب، أو تيار سياسي”.

وزاد: “إنها دولةٌ سوريةٌ فحسب، تحتضن أبناءها كلهم، من دون استثناء؛ فليس للوطن نعرة عصبيةٌ، ولا يمكن أن تتحقق الوطنية السورية على أساس الانطواء المحلي”.

وتابع: “نعلن أن السعي إلى تقسيم سورية، عمل غير مشروع، أيًا كانت ذرائعه، ويجب مناهضته بكل السبل الممكنة”.

وبالنسبة للمسار الرابع، فحمل عنوان “التنسيق، والحوار، والعمل المشترك”، حيث ذكرت الوثيقة أن: “إنسانية البشر مُقدمةٌ على العصبيات والتحزبات على اختلافها، لا يسلبها أحد، ولا يمنحها أحد؛ ولذلك يُدبر البشر العاديون خلافاتهم بالحوار لا بالعنف”.

وأضافت المبادرة: “اليوم ندعو السوريين جميعًا، إلى العودة إلى مبدأ التنسيق مرة أُخرى، وبناء شبكات ثقة بينهم عابرة للمناطق، والطوائف، والعصبيات من أجل الإمساك بزمام أمورهم انطلاقًا من سلوك ديمقراطي حر وأصيل، يؤمن بتساوي السوريين، وأن تعاونهم، وعملهم المشترك،(هو) السبيلُ لاستعادة الوطن”.

وجاء المسار الخامس تحت وسم “وحدتنا في كثرتنا: بناء الثقة”، إذ نبهت الوثيقة إلى أن “الثقة أداة تأسيس سياسية تؤطر اجتماعنا الوطني، وتُعيد بناء رأس مال اجتماعي وطني، يمهد الطريق لـ(الوحدة في الكثرة)، واحترام التعددية وترسيخها قناعةً وعملًا، ويُمهد الانتقال إلى الديمقراطية، فكرًا وسلوكًا”.

وأردفت الوثيقة: “إننا ندعو السوريين كلهم، في ذكرى التأسيس الوطني الملهمة هذه، إلى التعبير عن الثقة، والعمل على تعزيزها، وإيلائها أهمية في السلوك السياسي والخطاب”.

وعن أهمية الوثيقة، يرى الكاتب والإعلامي السوري، عدنان عبد الرزاق، في حديثه إلى موقع “الحرة” أنها “على غاية كبرى من الأهمية بسبب توقيت صدورها”.

وأوضح: “الأفق السياسي الآن في سوريا بات مسدودا، خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا وقطاع غزة، فقد أصبحت قضيتنا مثل ركن مهمل، إن جاز التعبير، عند أصحاب القرار في العالم”.

وأكد “أن مراوحة الحالة السورية على ما هي عليه يصب في الوقت الحالي بمصلحة العديد من الأطراف الدولية والإقليمية المسيطرة على الأرض، وأمام هذا الانسداد كان لابد للسوريين أنفسهم أن يبادروا ويحاولوا كسر هذه الرتابة للخروج من هذا المستنقع”.

وشدد على أن “المراوحة في الأزمة” قد “انعكست على الشعب تمزيقا وتفقيرا”، موضحا أن الجغرافيا التي يتنمي إليها الموقعون في السويداء ودرعا وريف حلب الشمالي أهمية كبيرة.

وأردف: “فهذا المناطق الثلاثة محكومة لجهات مختلفة فريف حلب الشمالي هو من المناطق المحررة التي تخضع للمعارضة السورية وإن بوصاية تركية بشكل أو بآخر، والسويداء هي نظريا تحت حكم نظام بشار الأسد، ولكنها استقلت بقرارها منذ أن أعلن الثوار فيها عن انتفاضتهم”.

وتابع: “وأما درعا فهي تحت سيطرة نظام الأسد، وإن كانت تلك السيطرة جاءت في صيغة ما يسمى (مصالحة) بوجود ميليشيات تابعة لإيران وروسيا، وبالتالي فإن يتم التآخي والتفاهم بين هذه الأقاليم الجغرافية، فإن ذلك يبعث على الأمل بأن السوريين لا يزالون يسعون إلى حالة التحرر واستعادة الكرامة مع رفض مطلق للتقسيم”.

وفي نفس السياق، يرى القنطار، الذي ينتمي إلى محافظة السويداء، أن الوثيقة جاءت “لتلبي طموح السوريين في التلاقي والتشبث بالعمل المشترك، وذلك بعدما عمل النظام على تشظي البلاد من خلال سياسة (فرق تسد)، وصنع الحواجز بين أبناء الوطن الواحد”.

ولفت إلى أن “الشعب السوري كغيره من الشعوب يطمح إلى الحرية والكرامة والعدل والتمتع بحقوق الإنسان، خاصة وأنه يواجه نظاما لا يعرف سوى ممارسة القهر والإذلال والقتل والقسوة والتعذيب والنهب والسرقة والفساد”.

وبحسب القنطار فإن المبادرة تكتسب زخما إضافيا لأنها جاءت متزامنة مع الحراك الذي تشهده مناطق الشمال الغربي بسوريا، والتي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام المتشددة.

وكان المحتجون خرجوا لأول مرة إلى الشوارع في يوم 27 من فبراير، وبدأوا بالتدريج يوسعون رقعة المظاهرات، حتى وصلت خلال الأيام الماضية إلى وسط مدينة إدلب، المكتظة بالسكان.

وردد المتظاهرون شعارات تطالب بـ”إسقاط (أبو محمد) الجولاني” وتبييض السجون التي تتبع لفصيله وكسر الاحتكار المفروض من جانبه على المشهد الاقتصادي والسياسي والأمني، كما حملوا لافتات تطالب بالكشف عن المفقودين.

وأوضح القنطار أن الناس في تلك المناطق “قد فقدوا الأمل حيث أنهم لم يروا أي بديل لنظام الأسد، حيث يتم فرض الإتاوات عليهم وتمارس كافة أشكال القمع بحقهم”.

ونبه إلى “أنه يمكننا القول بأن ملامح إدلب الخاضعة في الوقت الحالية لهيئة تحرير الشام يمكن أن تنضم لاحقا إلى الحراك الذي أعلنت الوثيقة المشتركة عن ولادته”.

وأما عبد الرزاق، فيرى أن هناك دلالة في الوثيقة بشأن السويداء “لأنها تؤكد أن أبناء تلك المحافظة الجنوبية يرفضون فكرة قيام إقليم بحكم ذاتي أو انفصالي عن بقية الجغرافية السورية، وأنهم متمسكون بوحدة وطنهم الأم من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب”.

وكان الناشط السياسي، مروان حمزة، والذي يشارك في الاحتجاجات السلمية بالسويداء منذ يومها الأول، قد أكد في حديث سابق إلى موقع “الحرة” أن “السويداء لم تنفصل عن سوريا الأم وحدودها من آخر قرية في الجبل إلى آخر قرية في الحسكة ومن الشرق إلى الغرب، ولن نقبل بأن ننفصل أو نذهب نحو اللامركزية التي يتحدث عنها مقربون من النظام”.

ورأى الناشط السياسي أن “الحل في السويداء هو حل سوريا بالكامل”.

واعتبر أن الإعلامي، عدنان عبد الرزاق، أن “الوثيقة هي حالة انقلاب على الواقع الساكن والمستكين، وهي كذلك حالة تحريك لأن نظام الأسد قد أصبح خارج الجغرافيا والحكم، ولعل من رأى مقابلة بشار الأخيرة مع الإعلامي (المافياوي) الروسي أصبح يعلم البنية الذهنية لهذا الديكتاتور، وبأنه قد بات منفصلا عن الواقع إلى درجة كبيرة جدا”.

وخلص الباحث السوري، فايز القنطار، إلى أن “الوثيقة قد أكدت أن السياسة هي حق أصيل من حقوق المواطن ولا تقتصر على حزب أو فئة أو طائفة أو عرق أو على الرجال دون النساء، وبالتالي فإن هناك دعوة إلى حوار عمومي عابر للعصبيات القبلية والطائفية والعرقية”.

وزاد: “وذلك الحوار من المقرر له أن يقود إلى تصور مشترك لبناء سياسي توافقي وطني حقيقي قادر على تمثيل طموحات السوريين بما يتناسب مع مستوى تضحياتهم”.

المصدر: قناة الحرة

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.