مظاهرات شمال سوريا وأزمة النفاق السياسي للحكومة التركية والمعارضة الموالية لها
نورث بالس
شهدت أكثر من 15 منطقة في شمال سوريا وشمال غرب سوريا، مظاهرات حاشدة مناهضة للقوات التركية وللفصائل الموالية لها تخللتها عمليات إطلاق نار من قبل القوات التركية والفصائل التركمانية الموالية لها، والتي قوبلت بالرد من قبل الفصائل العربية الوافدة من دمشق وريفها، وذلك كنتيجة للاحتقان الشعبي المتراكم منذ الهزيمة المخزية التي تسببت بها تركيا للمعارضة السورية بموجب صفقة بوتين-أردوغان “عدوا الأمس وأصدقاء اليوم” والتي أفضت إلى تهجـ.ـير الآلاف من عناصر فصائل المعارضة وذويهم من: درعا، ودمشق وريفها، وحمص، وحماه، وحلب عبر سلسلة من “الباصات الخضرات” إلى مناطق خاضعة لسيطرة القوات التركية في شمال وغرب سوريا ليستقروا في مناطق يسهل فيها القضاء عليهم بموجب صفقات لاحقة، والتي يبدو أن بوادرها بدأت تظهر وسط المغازلة المتبادلة مؤخراً بين حكومتي أنقرة ودمشق وبرعاية العراب الروسي وبغياب مريب من المنافس الإيراني.
كشف الموقف السياسي المستجد لحكومة أردوغان تجاه دمشق، النفاق السياسي التركي، وحقيقة المزاعم التركية حول دعمها للمعارضة التي فقدت بدورها بوصلتها بتقبل الوصاية التركية عليها، والانسياق ورائها في مهاجمة عفرين وتهجير سكانها والإسهام في سياسة التتريك والتغيير الديمغرافي التي تنفذ في المنطقة منذ عام 2018م، والقتال “كمرتزقة” لصالح تركيا في أذربيجان ضد أرمينيا، وضد شمال وشرق سوريا، وفي ليبيا وأخيراً في النيجر وماحولها، دون تحقيق مكاسب سياسية للدواعي التي دفعتهم لحمل السلاح ضد حكومة دمشق.
وبحسب ما أفاد به بعض المحللين السياسيين لنورث بالس، بدأت تظهر منذ بداية شهر حزيران الماضي الكثير من المؤشرات حول عملية تقارب سرية بين حكومتي دمشق وأنقرة على أساس صفقة يبدو أن الروس كتبوا بنودها على غرار الصفقات الماضية في سوتشي واستانا في كازاخسنان، على أرضية المعاداة المشتركة لشمال وشرق سوريا، وبهدف ضمني يتمثل بالاستيلاء على ثروات المنطقة بغطاء من حكومة دمشق لتعويض فاتورة الدعم الروسي لحكومة دمشق وتأمين التمويل لعملياتها في اوكرانيا ولي ذراع الولايات المتحدة بخلق أسباب للمواجهة مع حليفتها تركيا، وبنفس الوقت توفق حكومتي دمشق وأنقرة على تقاسم الشمال السوري وفق صفقة “الكل رابح”، وهذا لن يتم وفق السمسار الروسي على مايبدو إلا بالإطباق على الإدارة الذاتية وقسد بالعناق بين دمشق وأنقرة، وهذا يتطلب إزالة العائق أمام هذا العناق والذي يتمثل بمناطق السيطرة التركية في شمال وشمال غرب سوريا، والتي يبدو أن الطرف الروسي وجد لها حلاً والذي يتمثل بنسيان الماضي وإخضاع الفصائل الموالية لتركيا لتسويات أمنية لدى الأجهزة الأمنية لحكومة دمشق، وتصفية الرافضين بمعارك مع فصائل أخرى أو إرسالهم إلى حيث تصلهم نيران قسد، وبنفس الوقت توطـ.ـين المجتمعات المناهضة واللاجئين والنازحين المناهضين لحكومة دمشق في المناطق التي تم فيها تهجير السكان الأصليين في عفرين وريفها، والإبقاء على موظفين مدنيين أتراك في المنطقة كون شرط حكومة دمشق “انسحاب القوات التركية وليس انسحاب تركيا من تلك المناطق”، وفقاً للمحللين.
بيد أن ما لم يتم حسبانه في عملية التقارب هذه هو صعوبة نسيان مآسي الماضي القريب واستحالة نسيان مئات آلاف الضحايا في مجازر الكيماوي بخان شيخون ودوما والمقابر الجماعية وآلاف المفقودين في سجن صيدنايا وأخواتها، عدا عن ملايين المهجرين والنازحين واللاجئين وفقدان الممتلكات ومصادر الدخل، كل هذه الأمور ولدت كراهية احتقنت في النفوس والتي كانت شرارة انفجارها الاعتداءات الوحشية للعنصريين الأتراك بحق اللاجئين السوريين في الولايات التي تعد الحاضنة الشعبية للحزب الحاكم في تركيا وخاصة في ولاية قيصري والولايات التركية الأخرى.
وبالنتيجة انطلقت المظاهرات والتي سرعان ما تحولت إلى انتفاضة ضد “المحتل التركي” كما رآها الناشطون، حيث تم فيها إحراق الأعلام التركية وإنزالها إلى الأرض ومهاجمة وحرق الشاحنات والمركبات التركية واقتحام المقار الأمنية والعسكرية التركية في الأتارب والأبزمو وابين سمعان وخربة الجوز والتوامة واعزاز ومارع وجرابلس والباب والغندورة والغزاوية وجنديرس وعفرين التي شهدت أعنف الاشتباكات بعد أن فتح الجنود الأتراك أمام ما يسمى بـ “مبنى السرايا”، حيث يقيم الوالي التركي، نيران أسلحتهم على المتظاهرين ليسقط عدد من القتلى وعشرات الجرحى، وفقاً لما نقلته العشرات من مشاهد الفيديو التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي من تلك المناطق، ولتنقسم الفصائل بين من ساند المحتجين ومن فضّل الولاء للدولة التركية التي سارعت إلى قطع الاتصالات وخدمة الانترنت عن المنطقة، وإقحام رجال الدين الموالين لها وخاصة من جماعة الإخوان المسلمين لتهدئة المتظاهرين ومنع توسعها أكثر بهدف توفير ظروف يمكن من خلالها قمع الحركة المناهضة للسياسة التركية في الشمال السوري باعتقال الناشطين وتصفيتهم من قبل عناصر الفصائل الموالية لها، وفقاً للتحليلات التي واكبت الحدث.
وبحسب ما أفاد به عدد من المختصين في الشأن السوري لنورث بالس، حتى لو تمكنت القوات التركية والفصائل الموالية لها من إخماد الاحتجاجات المناهضة لهم، إلا أنها ستبقى “كالجمر تحت الرماد” كون نسيان الفظائع التي ارتكبتها قوات حكومة دمشق بحق ملايين السوريين لا يمكن نسيانها “بوعود مفعمة بمشاعر أردوغان وبابتسامة من الأسد وبمباركة من روسيا”، بالإضافة إلى استمرار العنصريين الأتراك بالاعتداء على السوريين، واستمرار دعم القوات التركية للفصائل التي ترتكب بشكل يومي انتهاكات لحقوق الإنسان بحق المدنيين، وتقويض استقرار المنطقة من خلال فوضى انتشار السلاح؛ كما أدارت هذه الاحتجاجات رؤوس الكثيرين من نشطاء المعارضة إلى قوات سوريا الديمقراطية، القوة السورية الوحيدة القادرة على قلب المعادلات السياسية المعادية لتطلعات الشعب السوري من قبل رباعي استانا: روسيا، وتركيا، وإيران، وحكومة دمشق، بحسب العديد من المراقبين؛ ويبدو أن القمع الوحشي التركي للمحتجين استحضر ذكرى قمع قوات حكومة دمشق للمظاهرات الشعبية في الداخل السوري، وكشف أن ما يسمى بـ”المحرر” ليس “محرراً”، وأظهر أن قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية هي المنفذ نحو سوريا لكل السوريين والعمق الاستراتيجي الذي يمكن الاستناد إليه لمواجهة الصفقات التي تعقد على حساب الشعب السوري، وهذا ما يفرض صياغة استراتيجية جديدة بين القوى الوطنية السورية، وفقاً للمختصين في الشأن السوري.
على الرغم من أن احتجاجات أمس أوصلت الكثير من الرسائل إلى الحكومة التركية ومعارضتها، إلا أن هذا لن يمنع من إيقاف عملية إتمام الصفقة الروسية بالتطبيع بين حكومتي أنقرة ودمشق، ويرى مراقبون أن أفضل وسيلة لمواجهة هذا المخطط هو صياغة “ميثاق وطني” مع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، واستمرار المظاهرات المناهضة للسياسة التركية الرامية لتسليم المنطقة لحكومة دمشق ومواصلة الاحتجاجات ضد الفصائل الموالية لتركيا، ودفع الفصائل الأخرى إلى إظهار موقفها من الظلم الواقع على المنطقة…
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.