NORTH PULSE NETWORK NPN

الإصرار التركي على التصالح مع الحكومة السورية.. الأسباب والتداعيات

 

نورث بالس

لم يكن الأتراك ينظرون، وما زالوا، إلى غير جنسهم، السوريين والعرب وكافة القوميات والأثنيات الأخرى، كبشر من الدرجة الأولى، بل ينظرون إليهم كمطية لتحقيق مآربهم القذرة منذ الاحتلال العثماني إلى يومنا هذا.

وخير دليل على ذلك هجماتهم المستمرة على الكرد وشركائهم في المنطقة، ورفضهم لكل عربي، في مناطقهم. بغض النظر عن سبب وجوده.

إلا أن مصالح الدولة التركية تجبرها على طمأنة العرب بشكل عام، والشعب السوري على وجه التحديد بأنها المنقذ والمُخلِّص لهم من أوحال أنظمتهم المتعاقبة.

فبعد أن عاثت فساداً في سوريا، من خلال تعويم الإسلام الراديكالي عبر خلقها لتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها من الإرهابيين، ودعمتهم مادياً وعسكرياً لتحقيق مآربها وأطماعها في المنطقة، متذرعة بمحاربة النظام السوري لإسقاطه؛ ها هي اليوم تسعى جاهدة للتصالح مع هذا النظام، متناسية مصلحة الشعب السوري ومآسيه، والجرائم التي ارتُكِبَتْ بحقهم.

رغم رفض السوريين الوطنيين لهذا التصالح، الذي سيقضي على ما تبقى منهم، بعد عودة سيطرة قبضة الأفرع الأمنية إلى تلك المناطق، وخروجهم في تظاهرات تنديد واستنكار؛ ما زالت الدولة التركية متمسكة بالتصالح، بل وتزداد رغبتها وإصرارها يوماً بعد يوم.

وهذا الإصرار بحد ذاته يأتي من دوافع مصلحاتية، وأطماع استراتيجية تركية في المنطقة. على رأسها العراق. وتأتي محاولات اردوغان وانبطاحه الذليل، للتقارب مع الحكومة السورية بتشجيع روسي، وبما بتناسب مع السياسة الإيرانية التي لها اليد الطولى في العراق، لتتفاهم معها، وتنال الرضا، ولا تكون سياستها متناقضة مع السياسة الإيرانية في المنطقة، وكي لا تكون إيران حجر عثرة أمام مشاريعها المستقبلية في العراق.

فكل ما يحصل اليوم في إقليم جنوب كردستان، من حرب إبادة ضد قوات الدفاع الشعبي في مناطق الدفاع المشروع – مديا؛ هي نتيجة تفاهم تركي عراقي بتسهيل إيراني وتواطؤ ومشاركة من حكومة الإقليم. كما تحضر لتنفيذ مشروع التنمية الذي سيدر أرباحاً طائلة إلى الخزانة التركية، وبالتالي سيساعده المشروع في تخطي أزمتها الاقتصادية، التي باتت تقضُّ مضجع اردوغان وحليفه بهجلي.

العديد من القضايا وتعقيدات الوضع السياسي وقفت في وجه هذه المصالحة ولقاء الرئيسين، ومن غير المتوقع أن تنسحب تركيا من الأراضي السورية، حيث لا توجد قوة كبيرة تجبرها على ذلك.

فإصرار بشار الأسد على الانسحاب التركي من الأراضي السورية بجدول زمني، والتوقف عن دعم الفصائل التي دعمها ومازالت من السوريين، هما شرطان أساسيان لأي تصالح في المستقبل، كما أن رغبة اردوغان في محاربة إقليم شمال وشرق سوريا هو الشرط الأساس دون أي شرط آخر للحكومة السورية، وهذا الشرط يصطدم بحائط أمريكا والتحالف الدولي اللذان يشكلان تحالفاً مع قوات سوريا الديمقراطية في محاربة تنظيم داعش الإرهابي. كما يقف أمامها عقوبات قيصر، وقريباً عقوبات المُطبّعين مع دمشق.

 

كل هذا الإصرار والرغبة في التصالح ورسائل الود بين الطرفين، رغم تفاوت تلك الرغبة ما بين الجهتين، إلا أن من سيدفع فاتورة هذا التصالح هم الثوار الحقيقيين المُغرّرين بِهم، والشعب السوري المغلوب على أمره، نِتاج سياسة القادة السياسيين والعسكريين في ما تسمى بالمعارضة اليوم، الذين باعوا أنفسهم قبل بيع الشعب السوري؛ بأبخس الأثمان، وتواطؤا مع المحتل التركي مقابل مكاسب مادية، غير آبهين بما جرى وسيجري للوطنيين السوريين في المناطق المحتلة، ولكن الوقت لم يمضِ بعد، فباستطاعة الوطنيين من الثوار الوقوف في وجه هذا المخطط الخبيث الذي تخططه الدولة التركية للشعب السوري، من خلال التشارك كسوريين، بغض النظر عن الدين والقومية والانتماء، ومد يدهم للتصالح مع شعوب شمال وشرق سوريا، وإدارتها التي أبدت أكثر من مرة، وعلى أكثر من منبر استعدادها لاستقبال الأخوة السوريين ممن تعرضوا وما زالوا لأبشع أنواع العنصرية من قبل الأتراك، وكذلك دعت الوطنيين من المعارضة للمشاركة في الحل الشامل للأزمة السورية ضمن سورية موحدة وذات سيادة، ودعمها لتطبيق القرار الأممي 2254 والجلوس على طاولة واحدة، انطلاقاً من مبدأ سورية ديمقراطية لا مركزية، ووضع دستور جديد للبلاد يضمن حقوق كافة السوريين.

كاردوخ بيكس

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.