NORTH PULSE NETWORK NPN

التصالح والتطبيع مع الأسد.. هل يضمن عودة آمنة لـ اللاجئين؟

رياض يوسف

لم تعد سوريا آمنة للحكومة السورية نفسها، في ظل الانقسام والتنافس على السلطة، وتصفية الحسابات على أعلى المستويات، والتعامل والتخابر مع استخبارات دولية، ومحاولة السيطرة على مفاصل الدولة من قبل الإيرانيين من جهة والروس من جهة أخرى؛ فكيف ستكون سوريا آمنة لمن عارض هذه الحكومة، وشارك في مواجهات مسلحة راحت ضحيتها مئات آلاف القتلى والمفقودين من الطرفين. فالاغتيالات طالت ضباط ومستشارين كبار في ظل الفلتان الأمني الناجم عن فقدان السيطرة على البلاد.

في ظل هذه المعمعة السياسية والتصفيات الجسدية والاغتيالات، نتيجة فقدان الأمن والأمان، وتفاقم الأزمة الاقتصادية يوماً بعد يوم؛ تطفو على السطح مساعي بعض دول الاتحاد الأوروبي للتطبيع مع الأسد في دمشق، لإعادة اللاجئين إليها.

حيث قال وزير الخارجية الإيطالي “أنطونيو تاياني” الجمعة (26 يوليو/ تموز الجاري، إن روما قررت تعيين سفير لها في سوريا؛ “لتسليط الضوء” عليها مما يجعلها أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ عام 2011.

وسبق ذلك دعوة ثمانِ دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في استراتيجيتها وعلاقاتها مع سوريا. وفي بيان، أعرب وزراء خارجية إيطاليا والنمسا وكرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا، عن استعدادهم لفتح قنوات اتصال مع بشار الأسد. اقترحت فيها تعيين مبعوث أوروبي خاص إلى سوريا، سيكون منوطاً به إعادة التواصل مع السفير السوري في بروكسل، بهدف إنشاء ما يُطلق عليه “مناطق آمنة” داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية؛ تمهيداً لعودة اللاجئين السوريين في أوروبا إلى ديارهم.

وجاء في البيان: “لا يزال السوريون يغادرون بأعداد كبيرة؛ مما يزيد من الضغوط على الدول المجاورة، في فترة يتصاعد فيها التوتر في المنطقة، ما ينذر بخطر موجات جديدة من اللاجئين”.

فكيف تكون نقطة صراع في أي منطقة جغرافية على المعمورة مهددة بتصاعد التوتر فيها؛ وتُصْلِحُ لعودة لاجئي تلك المنطقة؟

فعلى الرغم أن ألمانيا لم تكن من تلك الدول الموقعة على البيان، إلا المحكمة الإدارية العليا في مدينة مونستر بولاية شمال الراين ويستفاليا قضت قبل أيام بعدم وجود خطر عام على المدنيين من الصراع الطويل الأمد في سوريا”. إلا أن منظمات حقوقية وشخصيات دولية من بينهم “غير بيدرسون” المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، فندوا تلك الإدعاءات، وشددوا على أن سوريا “ليست آمنة لسكان البلاد، ولا حتى للاجئين العائدين”.

وفي إحاطة أمام مجلس الأمن قبل أيام، قال “بيدرسون: “إن سوريا مليئة بالجهات المسلحة، والجماعات الإرهابية المُدرجة على قوائم مجلس الأمن. وجيوش أجنبية وخطوط مواجهة”، مضيفاً أن “المدنيين لا يزالون ضحايا للعنف، ويتعرضون لانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، ويعانون من حالة نزوح ممتدة، وأوضاع إنسانية مزرية”.

وفيما يتعلق بالتقارب والتصالح مع الأسد، يرى مراقبون أن بيان الدول الأوروبية الثمانية يأتي في إطار سلسلة من عمليات التقارب الدولية مع الأسد. وكان الاتحاد الأوروبي قد قطع العلاقات الرسمية مع سوريا بعد حملة القمع الوحشية التي قامت بها الحكومة ضد المتظاهرين عام 2011 وهو ما أدى إلى اندلاع حرب ومعارك ما زالت تعصف بسوريا حتى الآن. إذا حملة القمع مازالت مستمرة ومُعاشة.

كما وافقت الجامعة العربية وفي مايو/ أيار من العام الماضي على استعادة الحكومة السورية مقعد البلاد الشاغر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. وقبل أيام، قال الكرملين: “إن روسيا تعمل على تنسيق اجتماع بين الأسد وأردوغان. وسبق ذلك، تصريح أردوغان بأن أنقرة ستوجه دعوة لبشار الأسد “في أي وقت” لإجراء محادثات لاستعادة العلاقات بين البلدين الجارين، في تطور غير مسبوق في ضوء دعم أنقرة لما تسمى المعارضة التي تقاتل قوات الأسد في سوريا من سنوات.

وفي مقابلة مع قناة دويتشه فيله الألمانية قالت “كيلي بيتيلو” منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “إن عودة العلاقات (السورية) مع أوروبا من شأنها أن تعزز شرعية الأسد كحاكم؛ ما يصب في صالح مزاعمه بأن سوريا بلد آمن”.

وأضافت بالقول: “الأسد بعيد كل البعد من أن يكون فائزاً (في الحرب) لأن سوريا مازالت منقسمة، سواءً من الناحية السياسية أو حتى من حيث السيطرة الفعلية على كامل البلاد. ومن غير المرجح الذهاب إلى القول بأن نظام الأسد بإمكانه السيطرة على كافة مناطق البلاد”.

فإذا كانت السلطة الحاكمة (كما ادعت وتدعي تلك الدول) وباعترافها غير قادرة على السيطرة على كامل ترابها؛ إذاً كيف لها أن تحقق الأمن والأمان واحتياجات العيش بكرامة، لمن تعمل تلك الدول على إعادتهم؟ في ظل العقوبات الاقتصادية، واستمرار النقص في التمويل، ومحدودية المساعدات الإنسانية، وزيادة استنزاف قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة. لذلك يجب تخفيف العقوبات الأوربية على النظام السوري”.

وهذا بحد ذاته يجب أن يراعي موقف شركاء هذا الاتحاد والدول المعنية بالشأن السوري، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا كان نظام الأسد يسيطر على جزء من سوريا (حسب بيتيلو)؛ فما هو مصير باقي الأجزاء خارج سيطرته؟

في هذا الشأن شدد “نانار هواش” كبير محللي الشأن السوري في “مجموعة الأزمات الدولية”، في مقابلة مع دوتشيه فيله:” قائلاً: “إن فوائد تخفيف العقوبات، لن تكون ملموسة في كافة مناطق سوريا. حيث قال: “إذا تم تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، فإن المساعدات سوف تمر عبر قنواته فقط. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع في المناطق الخارجة عن سيطرته”.

إذاً هناك حاجة لاتباع نهج يراعي كل ما تم الحديث عنه آنفاً، وقد رأى “جوليان بارنز ديسي” مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في لقاء مع القناة نفسها: “إن فكرة إنشاء مناطق آمنة “من دون ضمانات أمنية مجدية وعملية، لا يجب أن يحظى بالقبول”. وأضاف ديسي: “النظام السوري لم يكن في الماضي على استعداد لتقديم مثل هذه الضمانات. وسمعنا قصصاً عن اختفاء أو قتل سوريين بعد عودتهم”.

مؤكداً على إعادة ضبط السياسة الأوروبية في التعامل مع سوريا، مشدداً على أن الأسد “لن يقدم تنازلات قوية، لذا فإن الأمر يتعلق برمته بالبحث عن حلول بديلة”.

والحل البديل الذي اتفق عليه السوريون هو ما يتضمنه القرار الدولي 2254 من وقف لإطلاق النار وانتقال سياسي وانتخابات حرة نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.

وقتها فقط تستطيع تلك الدول التفكير في إعادة اللاجئين دون تسليم رقابهم لأجهزة الأفرع الأمنية لخطفهم وإخفائهم وتعذيبهم حتى الموت، وما مضمون ما كشف عنه حفار القبور أمام مجلس الأمن الدولي ببعيد كثيراً عن ذاكرة السوريين.

وغير تطبيق هذا القرار، والعودة الطوعية الكريمة للسوريين، تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ذات الشأن كله ضرب من الخيال، وأهل سوريا أدرى بنظامها.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.