NORTH PULSE NETWORK NPN

النظام البعثي وفشل بناء دولة المؤسسات والمواطنة

 

لخصت مشاهد خروج المئات من سجن صيدنايا مأساة الإنسانية تحت سلطة النظام البعثي الذي تربع على صدور السوريبن لاكثر من 50 عاماً. لقد حكم هذا النظام البلاد كمستعمر، وتحكمت منظومة الفساد والمخابـ.ـرات بأدق تفاصيل حياة المواطنين، ورسّخ خطاب الكراهية بين المجتمعات على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها وقومياتها وفق لقاعدة “فرق تسد” حتى أنه عزز الهوية المناطقية على حساب الهوية الوطنية.

 

وبحسب باحثين في التاريخ السياسي، يعد النظام البعثي الذي تم اسقاطه بتاريخ 2024.12.8 امتداداً لفترة الانقلابات االعسكرية التي شهدتها سوريا منذ استقلالها عن فرنسا،. حيث سُجل أول انقلاب في عام 1949م وبعدها توالت الانقلابات حتى عام 1970م حيث قام حزب البعث بما يشبه الانقلاب على منظومته بقيادة حافظ الأسد، وذلك بمساعدة الاتحاد السوفيتي آنذاك وبتأييد من مصر التي شاركها الانتصار على إسـ.ـرائيل عام 1973 ونبذها بعد اتفاقية السلام المصرية_الاسـ.ـرائيلية.

 

لم يستطع النظام البعثي الجديد أو لم يرغب في بناء دولة المواطنة والمؤسسات في سوريا، حيث قام بسياسة تعريب وتغيير ديمغرافي ممنهجة بحق الكرد، وشدد الخناق على الإسلاميين واليساريين، ومارس سياسة إفقار ممنهجة في الجزيرة والساحل، وأخضع البرجوازية الشامية والحلبية لهيمنته، وعزز من الفكر القومي المتطرف في البلاد. ولم يتمكن الأسد الابن من إجراء الإصلاحات في البلاد وعجز عن إبقاء القرار السيادي للبلاد في قبضته بسبب قوة الحرس القديم، وتسببت عملية بحثه عن حلفاء خارجيين ببداية عملية سقوطه لاحقاً، ولم يستوعب الحراك الشعبي العربي (تحت مسمى الربيع العربي) للقيام باصلاحات جذرية في نظامه بل بدا واثقاً من نفسه، ومع اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011م فضّل الخيار الأمني للتعامل معها ليتسبب بدخول البلاد في حرب أهلية وقدوم جماعات متطرفة إلى سوريا كالقـ.ـاعدة ودا.عـ.ـش، ونجح رهانه على الدعمين الروسي والإيراني لنظامه في إنقاذه من السقوط ومنذ عام 2017م استعاد السيطرة على الكثير من المناطق التي خسرها، وبدلاً من حل أزمات البلاد أدار عمليات تآمرية ضد المناطق الخارجة عن سيطرته وفسح المجال لتنامي منظومة الفساد في مناطق سيطرته، ويبدو أن الحماية الإيرانية والروسية له أدخلته في منطقة الراحة، في الوقت الذي كانت فيه المناطق الخارجة عن سيطرته تطور استراتيجياتها.

 

مع تزايد الخسائر الروسية في أوكرانيا والضربات الكبيرة التي تلقتها إيران ووكلائها في المنطقة لم يعد النظام البعثي قادراً على مواجهة أزمته لوحده، وتفاقم وضعه مع النجاحات التي حققتها اسرائـ.ـيل في حربها في المنطقة، لتأتي تهديدات نتنياهو للنظام وبعدها مباشرة بتاريخ 2024.11.27 شنت “هيئة تحـ.ـرير الشام” هجوماً على حلب وريفها بالتوازي مع انهيار قوات النظام البعثي وفرارها من مواقعها وخذلانه من قبل حلفاءه الروس والإيرانيين، وفي غضون أسبوع تمكنت فصائل المعارضة من الوصول إلى دمشق وإسقاط النظام بعد مغادرة الأسد تحت جنح الظلام وعلى متن طائرة إلى روسيا التي منحته حق اللجوء السياسي تاركاً خلفه البلاد لمصيرها المجهول.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.