سوريا الجديدة تُدشّن بمهاجمة مكوناتها الأصيلة من الكرد والمسيحيين والعلويين
رغم أن سقوط النظام البعثي منح بارقة أمل لعدد من مكونات سوريا في العيش بكرامة وعدالة وفقاً لثقافاتها ومعتقداتها، وذلك بعد أكثر من 50 عاماً من حكم أوليغارشية اعتنقت أيديولوجية إقصائية قومية متطرفة، حكمت البلاد وفقاً لسياسة “الويل لمن يعارضنا والأمن لمن يخدمنا”. حيث تعرض الكرد لسياسة صهر قومي وتم تنفيذ عمليات تغيير ديمغرافي في مناطقهم (روجآفا) وأجبرت السياسة الأمنية القمعية للنظام وسياسة الإفقار، مئات الشبان والعائلات إلى الهجرة، وتم قمع حقوقهم. أما العلويون فقد تم ممارسة سياسة الإفقار بحقهم أيضاً لإجبار مئات الشبان على التطوع في الجيش والتحول إلى أداة لتصفية حسابات النظام مع معارضيه من القوميات والطوائف الأخرى، أما السريان وباقي المسيحيين فقد تم إلحاقهم بالقومية العربية، وعلى الرغم من دورهم البارز في تاريخ سوريا السياسي إلا أنهم حرموا من المشاركة في إدارة البلاد والتعلم بلغتهم ومعتقدهم في المدارس الحكومية.
يكاد معظم المراقبين يتفقون على أن سقوط النظام البعثي كان نتيجة صفقة بين أنظمة حكم إقليمية ودولية وبتواطؤ من داخل النظام، ويستبعد الكثير من المختصين في الشأن السوري سقوط النظام كنتيجة لثورة شعبية، فالثورة الشعبية بحسب اعتقادهم تكون في العادة ثورة على الظلم وإنقاذ للهوية الوطنية، إلا أن سوريا الجديدة تم تدشينها بمهاجمة الكرد في شمال وشرق سوريا، وتنامي خطاب الكراهية تجاههم حيث تم تهجير أكثر من 150 ألف كردي خلال 4 أيام من ريف حلب نحو شمال شرق سوريا، وتعرض العشرات لعمليات تنكيل وقتل رهيبة، وحالياً يتحشد المئات من الفصائل السورية الموالية لتركيا لمهاجمة المدن الكردية وفي مقدمتها كوباني والتنكيل بأهلها، يحدث ذلك دون تحرك السلطة الجديدة في دمشق التي تزعم أنها وطنية، ساكناً، وبالعكس أرسلت مؤشرات زادت من قلق الكرد السوريين حول مستقبلهم.
بالنسبة للمسيحين، هم بدورهم يعيشون حالة قلق كبيرة من هجمات الجماعات الإسلامية المتطرفة وفي مقدمتها تنظيمي داعـ.ـش والقـ.ـاعدة، اللذان يجـ.ـاهران بعدائهما الكبير تجاههم، وفي السياق، شنّت مجموعة من المتشددين يوم الأربعاء الفائت، هجوماً بالأسلحة النارية على مطرانية حماة للروم الأرثوذكس في المدينة. وأقدموا على تحطيم رموز الديانة المسيحية وانتهاك حرمة الأموات وتخريب مقابر لعائلات مسيحية، وفقاً لما وثقته وسائل اعلام روسية ومحلية مقربة من المسيحيين.
وفي غرب سوريا تعرض العشرات من العلويون لأعمال انتقامية، وتواردت تقارير ومشاهد فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي عن عمليات انتقام واعدام ميدانية بحق العشرات قيل أنهم كانوا تابعين للنظام البعثي، كما وانتشرت العشرات من مشاهد الفيديو التي تُهين العلويين، وما يشير إلى حجم المعاناة خروج العشرات من العلويين في طرطوس وريفها، مساء يوم الأربعاء، في تظاهرة مفعمة بالخوف استنكاراً لتكرار حوادث السرقة والاعتداء على المدنيين من قبل مسلحين مجهولين، والتي تسجل بشكل يومي في مدينة طرطوس وريفها على الساحل السوري، كما ونشرت مجموعة من وجهاء ريف طرطوس العلويين يوم الثلاثاء الفائت بياناً مصوراً حذروا فيه من حملهم السلاح في حال استمرار عمليات التنكيل والقتل بحقهم ونهب ممتلكاتهم، رغم أنهم أعلنوا تبرئتهم من النظام البعثي.
إن افتتاح سوريا الجديدة بمهاجمة مكونات أصيلة في الجغرافيا السورية، ومنع تمثيلها في الحكومة الجديدة للبلاد، وعدم تقديم ضمانات لإعادة بناء الثقة معهم، لا يبشر بخير، ويبدو أنها تمهد لإقامة نظام لا يعتمد مبدأ المواطنة والديمقراطية، وبالتالي عودة البلاد إلى المريع الأول، ويعرض هذه المكونات لعمليات إبادة جديدة، ما يعني أنه يتعين عليها تنظيم نفسها سياسياً وعسكرياً واجتماعياًولمقاومة عمليات إبادة جديدة، وبالتالي لن تكون هناك سوريا جديدة وإنما إعادة تدوير للنظام السابق.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.