NORTH PULSE NETWORK NPN

إنـ.ـهاء سيـ.ـاسة التغيير الديمـ.ـغرافي كشرط لإقامة مصـ.ـالحة وطـ.ـنية في سوريا

 

شهدت سوريا على مدى عقود سياسات تلاعب ديمغرافي استهدفت تغيير التركيبة السكانية في العديد من المناطق السورية التي كان النظام البعثي يستشعر الخطر منها، واعتمد في تحقيق ذلك على خطة طويلة الأمد تمثلت بسياسة الإفقار في المناطق الساحلية، والترهيب الأمني في حماه وحلب، والقمع السياسي المعزز بما يسمى “مشروع الحزام العربي” في الشمال السوري ذو الغالبية الكردية، الأمر الذي تسبب بهجرة عشرات الآلاف إلى داخل البلاد وخارجه، وذلك بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي وإضعاف الهوية الوطنية، بشكل يمكنه من إحكام السيطرة الأمنية والسياسية على البلاد، وتحقيق أهداف سياسية وأمنية طويلة الأمد. بالتزامن مع ذلك كانت تجرى عمليات تغيير ديمغرافي مماثلة في كل من تركيا والعراق ولبنان.

 

ومع اندلاع الأزمة السورية والتدخل التركي والإيراني والروسي المباشر فيها، ازدادت وتيرة عمليات التغيير الديمغرافي، حيث اضطر آلاف السكان إلى ترك مناطقهم هرباً من العمليات العسكرية الدموية بين النظام والمعارضة، أو تم نقلهم نتيجة لصفقات استانا وسوتشي (الباصات الخضراء وصفقة عفرين مقابل الغوطة) حيث تم تهجير الآلاف إلى إدلب وريفها، وأقدمت الدولة التركية بعد احتلالها كلاً من عفرين 2018م وتل أبيض ورأس العين عام 2019م والشهباء عام 2024م على تهجير نحو مليون كردي. كما وقام/ وتسبب تنظيم داعش أيضاً بعمليات تهجير واسعة للمجتمع الأهلي في المناطق التي احتلها، وبالتالي حدثت موجات تغيير ديمغرافي كبرى بشكل غير مسبوق في سوريا خلال سنوات العشر الماضية.

 

ومع سقوط النظام البعثي، أصبحت البلاد أمام أمتحان كبير لمعالجة قضية المهجرين، ووثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، عودة 486 ألف نازح في سوريا إلى مناطقهم الأصلية بمحافظتي حلب وحماة منذ سقوط نظام الأسد، مشيراً إلى أنه حتى الآن لا يزال نحو 664 ألف نازح حديثاً في جميع أنحاء البلاد، معظمهم في إدلب. وعلى الرغم من رغبة السوريين إنهاء رحلة النزوح والتهجير والعودة إلى مناطقهم الأصلية برزت ثلاث تحديات تعيق تحقيق ذلك بشكل عملي، الأولى رفض القوات التركية ومرتزقتها من فصائل “الجيش الوطني” السماح لعشرات الآلاف من العوائل العربية بالعودة إلى مناطقها الأصلية في حماه وحمص ودرعا ودمشق وديرالزور وأريافها وبنفس الوقت منع عشرات الآلاف من المهجرين الكرد من العودة إلى مناطقهم التي تحتلها القوات التركية، حيث أصدر يوم السبت فصيل “القوة المشتركة” (العمشات والحمزات) قرار باعتقال كل من يرغب بالعودة والسماح بإطلاق النار على كل من يقاوم هذا القرار. أما التحدي الثاني فيتمثل بعدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري الأمر الذي لا يساعد على تنفيذ عملية إعادة إعمار المنازل المهدمة والبنية التحتية المدمرة، أما التحدي الثالث فيتمثل بمدى قدرة الحكومة الانتقالية في دمشق على إجراء مصالحة وطنية والحصول على الموافقة الدولية لإعادة الإعمار وإنهاء ملف التغيير الديمغرافي وإقناع تركيا بالسماح بإعادة الجميع إلى مناطقهم.

 

تشكل أطماع الدولة التركية في سوريا، وانتشار العشرات من التنظيمات المتشددة في مختلف المناطق وعدم وجود بوادر لتشكيل دستور وطني سوري بالتوازي مع انتشار خطاب الكراهية ذو الطابع الطائفي والديني والقومي من أبرز المعوقات أمام معالجة هذه التحديات. لذلك يعتبر الكثير من الباحثين في القضايا السياسية والحقوقية والاجتماعية إنهاء سياسة التغيير الديمغرافي شرط رئيسي لإقامة مصالحة وطنية في سوريا وإعادة بناء الهوية الوطنية السورية ورفع الظلم عن ملايين السوريين وإنهاء معاناتهم، وبالتالي لا يمكن اعتبار الأزمة السورية منتهية طالما تغيب الحلول عن ملف المهجرين.

 

بحسب دراسة نشرت في موقع “المجلة” تم اقتراح عدد من الإجراءات لمعالجة آثار هذه السياسات، تستند إلى بناء رؤية وطنية شاملة لإعادة بناء النسيج الاجتماعي، من خلال:

1- إعادة المهجرين وضمان حق السكان الأصليين في العودة إلى أحيائهم، وتأمين بيئة آمنة ومستقرة لهم.

2- تحقيق تنمية متوازنة، وإعادة إعمار الأحياء والمدن يجب أن تراعي العدالة الاجتماعية وتوفر فرصاً متساوية لجميع السكان.

3- تعزيز الحوار الوطني، وتعزيز الثقة بين مكونات المجتمع، وتجاوز الانقسامات التي زرعها النظام.

 

تبدو هذه الحلول مناسبة وقابلة للتطبيق، ويقع على عاتق جميع القوى السياسية والعسكرية السورية مسؤولية العمل معاً لمعالجة تداعيات الأزمة على التركيبة السكانية في البلاد، وإعادة تأسيس سوريا كوطن لجميع أبنائها، بعيداً عن سياسات التفرقة والتمييز التي انتهجها النظام السابق.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.