“مؤتمر الحوار الوطني”.. شـ.ـرعية شكـ.ـلية وإقصـ.ـاء ممنـ.ـهج
في إطار التحضيرات لما يُعرف بـ”مؤتمر الحوار الوطني”، شهدت عدة مدن سورية اجتماعات تحضيرية افتقرت إلى الشفافية، وسط إقصاء واضح لممثلي الأحزاب السياسية، والمنظمات المدنية، والمكونات الرئيسية في البلاد.
ورغم محاولات اللجنة المنظمة الإيحاء بأن السوريين يشاركون في صياغة مستقبلهم، إلا أن المعطيات تشير إلى عكس ذلك، حيث بدا المؤتمر مجرد غطاء لإضفاء شرعية على قرارات متخذة مسبقًا، دون نية جدية لحوار وطني شامل.
اجتماع حمص: فوضى وإقصاء مدروس
في حمص، تم توجيه معظم الدعوات عشية الاجتماع، مما حال دون حضور العديد من الفاعلين السياسيين والمدنيين أو حتى تحضير مداخلاتهم بشكل لائق.
كما لم تُحدد معايير واضحة للمشاركة، ما سمح بحضور شخصيات لا تمثل إلا نفسها.
ورغم مشاركة نحو 300 شخص، إلا أن العديد منهم كانوا محسوبين على اللجنة التحضيرية، مما طغى على النقاشات بأصوات محددة سلفًا.
اعتمد المؤتمر على ستة محاور رئيسية: العدالة الانتقالية، البناء الدستوري، إصلاح المؤسسات، الحريات الشخصية، دور المجتمع المدني، والمبادئ الاقتصادية العامة. لكن آلية المشاركة اقتصرت على رفع الأيدي، ما أدى إلى استحواذ بعض الأشخاص على وقت أكبر، بينما لم يُتح المجال لكثيرين للتعبير عن آرائهم.
طرطوس واللاذقية.. نسخة مكررة من التهميش
لم يكن الوضع مختلفًا في طرطوس، حيث وُجّهت الدعوات بشكل غير رسمي بعد منتصف الليل، دون تحديد الجهة المرسلة أو أجندة واضحة للنقاشات.
وفي اللاذقية، لم يتجاوز الاجتماع ساعتين، مما جعل النقاشات سطحية، وتزامنه مع اجتماع طرطوس أظهر نية لإنهاء المؤتمر في غضون يومين، وإصدار توصيات جاهزة مسبقًا.
إجابات اللجنة التحضيرية.. تناقضات وإقصاء واضح
زعم أعضاء اللجنة أن المؤتمر يضم جميع السوريين، لكن الإقصاء الفعلي لممثلي الأحزاب والمكونات السورية الرئيسية، وخاصة من شمال وشرق سوريا، يناقض هذا الادعاء. كما أوضحوا أن الإعلام مسموح له بالتغطية، لكنه يخضع لإشراف المكتب الإعلامي للمؤتمر، مما يثير الشكوك حول حيادية المعلومات.
أما فيما يخص مشاركة الكرد، فادعت اللجنة أنهم كانوا جزءًا من الدولة السورية منذ 1920، لكن لم يكن لهم أي تمثيل في التحضيرات، ما يعكس استمرار النهج الإقصائي.
تمثيل المرأة.. معايير غامضة وفضفاضة
لم تحدد اللجنة معايير واضحة لمشاركة النساء، بل اكتفت بتصريحات عامة مثل “الإخلاص وعدم تأييد نظام الأسد”، دون أي التزام بتمثيل حقيقي للمرأة في الحوار الوطني المزعوم.
تُطرح عدة تساؤلات حول مدى مصداقية هذا المؤتمر، خاصة مع:
التمثيل المناطقي المشروط: حيث تختار اللجنة الشخصيات “الوطنية” وفق منظورها، مما يؤدي إلى إقصاء فئات واسعة من السوريين.
غياب الإلزامية: توصيات المؤتمر غير ملزمة، مما يفرغه من أي تأثير حقيقي على مستقبل سوريا.
إقصاء العسكريين: رغم أن بعض أعضاء اللجنة التحضيرية لهم خلفيات عسكرية، إلا أنه تم استبعاد العسكريين الآخرين من المشاركة، مما يكشف عن انتقائية في تنظيم المؤتمر.
استبداد بواجهة جديدة: إذا كان المؤتمر مجرد أداة لإعادة إنتاج السلطة بشكل جديد، فإن الاستبداد قد يعود بوجوه مختلفة.
خلاصة.. حوار وطني أم مجرد غطاء سياسي؟
تُظهر الاجتماعات التحضيرية أن “مؤتمر الحوار الوطني” ليس سوى محاولة شكلية لإضفاء شرعية على قرارات معدة مسبقًا.
فمن آليات الدعوة غير الشفافة إلى غياب التمثيل الحقيقي، يبدو أن المؤتمر لا يسعى إلى حل سياسي شامل، بل إلى تكريس واقع سياسي يخدم طرفًا معينًا.
والسؤال الأهم: هل سيكون هذا الحوار خطوة نحو حل وطني، أم مجرد ديكور سياسي لتجميل مشهد محسوم سلفًا؟
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.