بادرت مجموعات أهلية محلية، بتفعيل حاجز مدينة شهبا على الطريق الواصل بين دمشق والسويداء، حيث تمكن عناصر الحاجز خلال شهر من ضبط عدة محاولات تهريب، شملت محاولة نقل مخدرة وذخائر، والقبض على لصوص، وضبط عدد من السيارات المحمّلة بمواد معدنية يُشتبه في أنها مسروقة من ممتلكات عامة. يأتي ذلك وسط استمرار انعدام ثقة أهالي محافظة السويداء بقوات سلطة دمشق والاعتماد أكثر على فصائل محلية من أبناء المحافظة والتي يتم ضبطها من قبل المرجعيات الدينية الدرزية الرئيسية.
وقال سماحة الشيخ حكمت الهجري (الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز) أن هناك صعوبة في التوصل إلى اتفاق مع سلطة دمشق، وفي لقاء مع “الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية” قال الهجري: “الفصائل المسلحة الإرهابية تعتبر نفسها الآن مسؤولة عن الإدارة في دمشق وهذا أمر غير مقبول لا على المستوى السوري ولا الدولي”. وفي هذا السياق قال المتحدث باسم “حركة رجال الكرامة” في محافظة السويداء “باسم أبو فخر”، لموقع “الشرق” الأخباري، إن اختلاف الرؤى في المحافظة إزاء الحكومة السورية “شيء طبيعي وصحي طالما يصب في مصلحة الوطن، ويهدف إلى تحقيق الخير الجميع”، وأشار إلى أن رئيس الطائفة الدرزية الشيخ حكمت الهجري “يستنكر سياسات الحكومة، لكن في الوقت ذاته، يمد يده للتعاون معها، وهو ما يتقارب مع موقفنا”.
وقد لعب المجتمع الدرزي، كمكون سوري أصيل، دوراً مؤثراً في التاريخ السياسي السوري بدءا من مقاومة الاحتلال العثماني والمشاركة في الثورة العربية الكبرى (ثورة الشريف حسين ضد العثمانيين) ثم الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان الأطرش، مروراً بمرحلة استقلال سوريا، ولا يزالون قوة مؤثرة في المشهد السياسي والأمني في الجنوب السوري، إلا أنهم يمتلكون أفكاراً لا تتوافق مع أفكار الإسلاميين حول شكل الدولة السورية الجديدة، بالتوازي مع انعدام الثقة بهم بعد المجازر والانتهاكات التي تعرضت لها المجتمعات العلوية في غرب سوريا والاعتداءات على الكرد ومناطق الإدارة الذاتية، ومضايقة المسيحيين، يذكر أنه فشلت محاولات سلطة دمشق إخضاع الدروز في مدينة جرمانا بريف دمشق، كما أن إقدام جهاز الأمـ.ـن العام على اعتقال سياسيين دروز بشكل تعسفي على حاجز في مدينة حمص ومن ثم نقلهم إلى سجن حارم في إدلب وتعرضهم لإهانات وعمليات تعذيب تسبب بزيادة الفجوة بين المجتمعات الدرزية وسلطة دمشق. وتعليقاً على ما يجري في الساحل السوري، قال المتحدث باسم “حركة رجال الكرامة”، باسم أبو فخر: “لا يمكننا أن نخدع أنفسنا وبعد ما حدث في الساحل توصلنا إلى قناعة بأنه إذا استمر الوضع على هذا النحو فنحن غير قادرين على العيش المشترك”.
وتعيش السويداء حالة من عدم اليقين والتوتر، تثير قلقاً وجودياً حقيقياً، يمكن ملاحظته من خلال تباين مواقف المرجعيات الروحية، والزعامات التقليدية، والفصائل المسلحة، والقوى السياسية والمدنية تجاه سلطة دمشق الجديدة، ومحاولاتها الاستفراد بالحكم من خلال الاعلان الدستوري وتطبيق سياسات مستعجلة لترسيخ سلطتها وبنفس الوقت اعتمادها على العنف المفرط في حل المشاكل الأمنية في غرب البلاد. بشكل عام تتفق المرجعيات الدينية في السويداء على ضرورة بناء دولة وطنية جامعة تضم جميع المواطنين السوريين دون استثناء. بشرط توفر ضمانات أو مؤشرات التي تؤكد جدية بناء دولة وطنية جامعة. ورغم الاختلافات السياسية والعسكرية، تتفق جميع الفصائل على فكرة “الأمن الجماعي” في حال تعرض السويداء لأي تهديد عسكري خارجي، مما يعكس أولوية الحفاظ على أمن الجبل واستقراره فوق أي خلافات داخلية. وقد كان هذا النهج متبعاً أثناء محاولات النظام البعثي إخضاع السويداء لسلطته، حيث حافظت مجتمعات السويداء على تحقيق مقومات الحماية الذاتية لنفسها على غرار مجتمعات شمال وشرق سوريا، وفي هذا السياق، أكدت “الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية”، الخميس، بأن فصائل في السويداء تحشد المقاتلين وتضع خططاً لصد القوات الحكومية إذا لزم الأمر.
ويظهر أبناء السويداء توجهاً متزايداً نحو رفض الخضوع لنظام الحكم المركزي الذي يقوده قادة “هيـ.ـئة تحـ.ـرير الشام” الذي حل نفسه، والميل بدرجة كبيرة إلى نظام لامركزية السياسية والإدارية. ويرى الأمين العام لـ”حزب اللواء”، المعارض للحكومة، مالك أبو الخير، أن “التيار الأقوى شعبياً في السويداء هو تيار الهجري”، ونقل موقع “الشرق” عن أبو الخير تأكيده على أن “انتهاكات الساحل السوري والإعلان الدستوري المخيب للآمال دفعا حزبه الذي ينشط في السويداء على نحو خاص إلى اقتراح الفيدرالية كحل للحكم في سوريا المستقبلية” في إطـ.ـار “وحدة الأراضي السورية”.
وقد نالت قضية حماية المكونات السورية التي توصف “بالأقليات” اهتمام العديد من البلدان الغربية، وكذلك اهتمام القائد الكردي “عبدالله أوجـ.ـلان” الذي ألهم مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والذي دعا إلى حماية الحقوق السياسية والمدنية لجميع المكونات، ونقل النائب عن حزب “االمساواة والشعوب الديمقراطي”، عمر أوجلان، عن القائد الكردي تأكيده على ضرورة حماية العلويين والدروز، مضيفاً: “يمكنهم تأسيس أنظمة مشابهة لتلك التي أسسها الكرد. يمكنهم التواصل فيما بينهم، ويجب أن يرفضوا الأساليب الداعشية”.
ويرى مراقبون أن اللامركزية السياسية والإدارية يعد خياراً مهماً لبناء الثقة بين المجتمعات السورية المتمايزة في معتقداتها السياسية والمذهبية والثقافية، ومحاولات إخضلع البلاد للسلطة المركزية في دمشق لن تتكلل بالنجاح في ظل الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية المتدهورة التي تشهدها المنطقة والعالم. ويؤكد مراقبون على ضرورة أخذ هواجس المجتمعات السورية بعين الاعتبار ومنحهم هامش من الحرية لإدارة شؤونهم بأنفسهم وفقاً لعقد اجتماعي يضمن سيادة ووحدة البلاد…
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.